العقل الحاضر والمُهاجر!! |
عقلنا الحاضر مُحاصَر ومُهمّش , وعقلنا المُهاجر نطارده كالسراب؟! فدولنا بأسرها تجهل أساليب وتقنيات الإستثمار في عقولها الحاضرة في المجتمع , وتمعن في هربها من الواقع الذي تعجز عن مواجهته بالحديث عن العقول المهاجرة , التي يتم إستثمارها إلى أقصاها في مواطن المَهجر. وعلى مدى عقود متتابعة , مضينا نرفع شعارات عودة العقول المهاجرة إلى بلدانها الأصلية , وما عاد منها أحد , وإنما إزداد عدد العقول المهاجرة وتضاعف, حتى بلغ ذروته القصوى في العقدين الأخيرين. فلماذا هذا السلوك السلبي والهروب من حالة لا نعرف كيف نداويها؟ العقول المهاجرة نريدها ونرغب بالتفاعل معها ومساهمتها في بناء البلد والمجتمع. والحقيقة المرة تقول أن العقل المهاجر يؤدي دوره في بلاد مَهجره , ولا يُمكنه في أي حال من الأحوال أن يكون فاعلا في بلاد أصله , لأسباب متنوعة ولآليات تعويق متظافرة لمنعه من تقديم الخدمة النافعة. قد يصح القول أن العقول المهاجرة يمكنها المساهمة في بناء أوطان أصلها , ولكن ليس في دولنا , لأن مجتمعانا ما وفرت الحد الأدنى من المؤهلات الضرورية للإستثمار في العقول , وهي تمعن في توفير الأسباب والدواعي اللازمة لهَربها وهِجرتها. وكأن نزيف العقول برنامج مطلوب , لأن العقول الفاعلة ثروة حضارية لا تضاهى , ولكي تجرد الأمة من قوتها , عليك بتعويق عقولها وتهجيرها لكي تحرمها من روافد قدراتها وقوتها. فالعقل عندنا يتلقى الإهمال والإقصاء , وما دام المجتمع لا يعزّ عقوله ولا يرعاها , فأن الضعف من مواصفاته , وستتكالب عليه الوحوش الحضارية المفترسة التي تريد التمتع بطعم لحمه الطري. إنّ وهم عودة العقول المهاجرة , عليه أن ينتهي , وأن يحلّ مكانه السعي الى الإستثمار في العقول الحاضرة , وتوجيه طاقاتها لبناء الحاضر وتوفير الأسباب القوية لبقائها وتواصلها وتناميها. وعند ذاك ستجد العقول المهاجرة أن تربة أوطانها أخصب من غيرها في إحتضان طاقاتها ورعاية أفكارها وبهذا ستعود. فهل ستغيّر مجتمعاتنا نظرتها , وترى بعيون العصر وبصيرة المستقبل , وتجتهد في تأمين الأجواء والظروف المواتية لنماء العقل وتفتح براعم الأفكار الحضارية؟ وهل سننتهي من القول بعودة العقول المهاجرة , ونعوّد أنفسنا على سماع كيفيات رعاية وتمكين العقول الحاضرة من العطاء الأفضل , والمساهمة الأقدر في صناعة مستقبلنا المشرق؟! |