اللافي ليس أول الذباحين..!
أرتبط هذا الأسم بساحات الأعتصام التي تطالب (بالحق السني) أو المظلومية السنية, والتي تعاطف معها نسبة كبيرة من الشيعة, سيما إن الأجواء صافية وهناك رغبة كبيرة في الشارع الشيعي على تغيير لون الحكومة الحزبي. اللافي أطلق صيحات رافضة للشيعة وتلقفها المئات برضى وأرتياح؛ فأنتهى الأمر وحدث كسر العظم... حقيقة الأمر إن الإسلام السياسي, أو ما يعبر عنه أحياناً (الصحوة الإسلامية) صيرت العمة ممثلة لشرائح واسعة من المجتمع وهي تشعر بطمأنينة الضامن للجنة! نموذج اللافي, سبقه آخرون, وأبرزهم (حارث الضاري) وزامنه كثيرون لا مجال لذكرهم, وهؤلاء كلهم رجال دين يدينون بدين وعقيدة تصور لهم دعوات القتل والذبح والتفخيخ (تقرّب إلى الله)..!
من أين يأخذون التشريع؟
تفجيرات جسر الأئمة في 6/10/2013 أثناء أحدى المناسبات الدينية, حملت بين طياتها صراحة على تبنّي منهج الفتنة والقتل؛ فالسنة يبررون ذلك العمل الإجرامي بداعي كونه أنتقاماً وثأراً من نفرٍ يقال أنه "سب الصحابة في منطقة الأعظمية"!..إن صحّت رواية الشعارات الطائفية؛ فهي مرفوضة ونضع عليها أكثر من علامة أستفهام, بل تعد ضمن مخطط الفتنة المرجوة. غير إن هذا الفعل المستهجن لا يبرر بأي شكل من الأشكال أراقة الدماء والموافقة عليها, وتبرز مجموعة من الأسئلة التي يثيرها العقل: كيف حصل الأنتحاري على تجهيزات القتل والتفجير, متى وأين فخخ جسده, وهل يمكن تشريع القتل وتبريره بسبب تهمة السب والتي قام بها شخص غير المقتول؟!
لا شك إن هناك بيئة حاضنة جاء من خلالها هذا الأنتحاري وتستر فيها وجهّز قذارته بها...مؤمنون بما سيقوم به؛ بعبارة أخرى, تناقض عقائدي لا يمكن تجاوزه إلا بالدم (بحسب هؤلاء)..!
تلك البيئة بمجملها تمثل طائفة بسوادها الأعظم, ليس من السهل تغيير معتقدات الناس, ولسنا بصدد حوار عقدي, لكن رغم كون هذه الحقيقة قائمة في عراق اليوم, غير إن الطائفة السنية لا تكفّر ولا تدعوا للقتل والإقصاء لسبب خلافي أو أختلاف؛ إنما السياسة هي صاحبة الكأس المعلى في الممارسة الدينية, وقد نجد بعض النصوص التي تعبّر عن فتاوى حاقدة كالكلمة التي أطلقها أبو حامد الغزالي في القرن الخامس الهجري: "أما أطفالهم فنعرض عليهم الإسلام, إن قبلوا رددنا السيوف إلى قربها, وإن أبوا مددنا إلى رقابهم سيوف الحق". لكنها تعد فتوة سياسية موجهة ضد الدولة الفاطمية في مصر آنذاك, وكل دعاوى القتل جاءت في هذا الصدد لإسباب سياسية صرفة. بعد تغلغل المد الوهابي داخل الأوساط السنية, تكوّن هناك مرتكز فقهي وعقائدي ناسفاً التراث السني المعتد به عند أهل العلم. مشكلة التشريع لا تقتصر على السنة وحدهم, بل ضربت العالم الإسلامي برمته, فالشيعة أبتلوا بنفس الداء؛ لكن وجود المرجعيات وفصل المرجعية عن التأثيرات السياسية كان بمثابة المصد الذي خفف كثيراً من حدة التطرف, رغم وجوده.
وسواء كان هناك أثر تأريخي أو لم يكن؛ فالأمر الواقع مغاير لأفكار ودعوات التعايش والوحدة المستمدة من التعاليم الدينية...الشيعي يستفز السني –بالسب- والسني يقتل الشيعي أو على الأقل تنطلق من مناطقه حملات التصفية ضد الشيعة..!
القتل لنا عادة..!
هذه الكلمة الخالدة للإمام السجاد كانت لها مناسبتها ولا يمكن تعميمها لتكون وتبريراً للقتل الموجّه والقبول به كقدر, الناس تريد إن تحيا "وكأنها تعيش أبداً" وسيناريو الأحداث في العراق, يعكس صورة قاتمة وكأن الإنسانية فقدت كل قيمها وتحولت إلى معادلة ناتجها الموت..الثقة عامل مفقود ولا مؤشر على العثور عليه, الحدود لها التقييم الأخير لما يجب أن تكون عليه الطائفة..تفرقت الأهواء غرباً وشرقاً؛ ولا هوية جامعة حول محور الوطن, من يعترض يبتعد كثيراً عن المشكلة. بعض الخطباء يعلقون أحداث العراق على روايات آخر الزمان, وهي دعوات مبطنة للإتكال على الغيب في حسم الأوضاع لصالح (الحق الشرعي), وفي نفس الوقت يدعون للإستقامة والصلاح, ولعمري أي صلاح يرتجى في ظل شبح الموت؟!..التاريخ على طاولة التشريح الدائم؛ فتوقفت الأمة على أحداث جرت قبل قرون عدة, ولم يُمكّن لها السير قدماً, وقوافل الموتى تسرع, بينما سبل الحياة المطلوبة والتي يهتف بها الجميع مقطوعة..تناقض مفزع, وصلت الأجساد لسوريا لتعود دون أرواح, كأن العراقيون أرادوا ساحة أوسع لممارسة طقوس الموت البشع؟! صرنا نحيا لنموت, نؤسس الكيانات والأحزاب لنُقتل, نكتب, نقرأ, نتنافس, كل شيء نعمله يصب في مصلحة الموت؛ فالقتل صار عادتنا التي لا مناص منها..!
|