باقية وتتمدد مو؟

كلمني احد اصدقائي وهو من سكنة الحي المجاور لموقع مقر قيادة الفرقة الثانية مشاة في الموصل بعد سقوط الموصل واجتياح داعش لها فقال لي: 
في ليلة سقوط الموصل وفي الساعة العاشرة مساءآ كنت في نقاش مع عائلتي...حول ماسوف يحدث في الايام القادمة.. حيث كنا في جو من التشنج والغضب…حيث اننا عائلة تتكون من 6 اشخاص وكلنا نعمل في الدولة.. هذا طبيب.. وذاك صيدلي… وانا مهندس… والاخر طالب في طب الاسنان… ووالدي ووالدتي موظفين.. ولان منع التجوال كان كد مر عليه 4 او 5 ايام والحياة معطلة..وكنا في فترة امتحانات عصيبة.. وكنا قد سمعنا بان محافظ نينوى اثيل النجيفي كان قد ادلى بخطاب الى اهالي الموصل لحثهم على تشكيل القوات الشعبية لمساندة القوات الامنية على الرغم من مساوئها العديدة ولكن المدينة في خطر… لم نكن نعلم ماهو حجم الخطر لكننا تيقننا بان الخطر حقيقي عند طلب المحافظ.. في تلك الاثناء دار حوار بيننا نحن وبين والدي... بصفته ضابط في الجيش السابق وشارك في عدد من مطاحن صدام التي طحن فيها شباب العراق… وجسده ملون بزخارف الطلقات الثلاث في صدره في معارك تحرير الفاو… وقدمه المتمزقة من معارك الفكة… قلنا له ماذا نعمل؟اين الحق؟قال الحق مع الدولة دائما وان كانت قاسية… ومستحيل ان ادع هؤلاء اصحاب اللحايا ان يقودوني لانهم لا يقودون عدد من الابقار بصورة صحيحة… وان طلب منكم الذهاب فاذهبوا والله كريم للامتحانات والدوام… فاجأنا اتصال من بيت عمي في الساحل الاخر من المدينة ليقول بان الاشتباكات تدور في محيط مبنى المحافظة! صدم الجميع بلخبر! كيف لهم ان يصلوا بهذه السرعة! هل من المعقول بان فرقة كاملة من الشرطة الاتحادية تبخرت في الهواء الطلق! اردف ابي : بردا وسلاما لتخافون… هسة ادزلكم…..ياخذكم بلسيارة ويعبركم على جانبنا لان بجانبنا اكو جيش… قالها ابي واثق الخطى يمشي ملكا… اتصلت باحد اصدقائي لاتاكد من الموقف لان اخيه منتسب في قيادة شرطة نينوى…حيث ان اول مناطق للاشتباك هي مناطق لقواطع شرطة نينوى وهي من ابناء المحافظة… فقال لي بلحرف الواحد… والله اخر مرة اتصلت بيه البارحة وقال لي ان مقر السرية فيه 9 شهداء والقصف مستمر بلهاونات وانهم يقاومون مقاومة شرسة ولكن لا وجود للتعزيزات ولا حتى لغطاء جوي من سمتيات الجيش… وانهم سوف يقومون باخلاء المقر والتوجه الى مقر ثاني… اختلطت الاوراق في ذهني… اين الشرطة الاتحادية التي لطالما ارعبت الناس وقطعت اوصالهم بلسيطرات؟اين الوية قيادة العمليات؟اين الطيران؟اين اين اين؟؟توجهت نحو الفيسبوك لعلي ارى مايعيد تجميع اوراقي المختلطة… اتجهت نحو صفحة لتنظيم داعش... رايت نفس المنوال في سامراء لم اتمالك نفسي خرجت لاسال احد افراد الجيش الموجودين في باب النظام في الفرقة… لم ارى احدا.. توجهت نحو الهمر العسكرية وجدت فيها شخصا مدنيا وبجانبه سلاحه الشخصي وبيده جهاز الارسال وهو يستمع الى نداءات مشوشة وعلامات القلق في وجهه مرعبةسلمت عليه وسالته اين افراد الهمر… فقال لي بلهجة جنوبية : جا هو منو بقة اني كاظهة لهاية بروحي… لم افهم شيئا ورجعت لاطمئن نفسي واستدرت نحو البيت خوفا ان يعتقلوني بحجة اني داعشي… جلست اتابع الاخبار… اتصل عمي مرة ثانية قائلا المحافظة سقطت هسة الجماعة متجهين باتجاه قيادة العمليات… حطم الخبر نفسيتنا وتعالت صيحاتنا بلسباب والشتيمة لافراد الشرطة لانهم لم يقاوموا الا لستة ايام… في هذه الاثناء سمعنا طرقا على الباب.. خرجنا انا وابي واخوتي واذا ثلاثة اشخاص تكلم احدهم وقال: الله يساعدك حجي.. بلية زحمة ممكن تنطونا دشاديش! والدي : منو انتو! الشاب : اني نقيب…. وهذولة جنودي ومحد بقى بمقر الفرقة بس احنا اخر الناس واجينا على الله وعليكم… تصلبت عضلاتنا والسنتنا… لم نكن نصدق ابدا ماللذي يحدث… والدي : تفضلوا ابني تعالوا فوتوا جوة… دخلوا الى غرفة الاستقبال وكانوا متخوفين جدا… قال لهم والدي : انا…… في الجيش السابق تعال احجيلي شصار؟قال الضابط… والله سيدي اجانة امر بالانسحاب واخلاء المقرات وكلمن يدبر نفسه والدي: انت منين؟ الضابط اني من طويريج كربلاء وهذولة من مدينة الصدر… والدي : عدكم سيارة؟عدنة بس الهمرات ومن نصعد بيهة يضربونة.. اشار والدي الى سيارتنا وقال هسة يوصلوكم الولد لان اذا شافوكم هذولة يذبحوكم… سحبت احد الجنود لجانبي وسالته : شايلين فلوس؟ الجندي : رحم الله والديك عدنا فلوس كلنة… في هذه الاثناء انتقلت الاشتباكات المتقطعة الى ساحلنا من المدينة… اصر والدي على الخروج معنا… قلنا لهم لا تتكلموا ولا تنطقوا حرفا واحدا… تحاشينا السيطرات من خلال طرق فرعية وبقيت لدينا سيطرة واحدة هي سيطرة الموصل بغداد… اوقفنا الداعشي… السلام عليكم… وعليكم السلام منوين الشباب ووين رايحين… والله اخوي احنا من حي السكر وصارت عدنا حالة وفاة في گيارة( قضاء جنوب الموصل ) ورايحين الهم… نظر الداعشي الى الضابط كانه يشم رائحة الضباط وساله: انت همين وياهم… فبادر ابي مسرعا فقال بعصبية : ابني احنا كلنا اهل منطقة واحدة ومواصلة خوما راح نجذب عليك؟ انا قمت بتلطيف الموقف وقلت له : الله ينصركم باقية وتتمدد… تبسم الداعشي وقال الله يحرسكم تفضلوا… ساد الصمت في السيارة لمدة عشرة دقائق ثم قال الضابط :باقية وتتمدد مو؟ بدأنا في الضحك على انفسنا وتبادلنا المزحات… ولم نكن نعرف اننا عندما نرجع سوف نبكي دما على سبايكر.. … انها سخرية الحياة... تضع نفسك قاب قوسين او ادنى من الذبح لتنقذ ثلاثة اشخص.. ..في حين ان مئآت من الاشخاص يقتلون بدم بارد… وتعلم بان هنالك من هم لهم اقارب… وسوف يثأرون لهم… ومن المحتمل ان نكون انا وابي واخوتي ضحية هذا الثأر…. اتمنى ان ارى ذلك الضابط مجددا… لاقول له : باقية وتتمدد مو…. ونضحك مجددا…. 

ابن الموصل