كرة النار...

هل يدرك حيدر العبادي، ومعه كل الاطراف التي توافقت عليه، ان كرة من نار سوف توضع بين كفيه بعد أيام؟

ستكون كارثة حقيقية لو لم يدرك كل الفرقاء أن هذه المرة ليست كالمرات السابقة، وأن مسطرة القياس التي استخدمت طيلة السنوات السابقة مقياسا لإدارة الحكم قد انكسرت بانكسار الموصل ودخول داعش الى المشهد.

 

ستكون كارثة بكل المقاييس لو لم يدرك القوم أن الاستخفاف بالاستحقاقات لكل أطياف الشعب العراقي والتفرد بصناعة القرار وبتسيير الجيوش وتعيين قادتها وبصرف الميزانيات المليارية أصبحت صيغة حكم تنتمي إلى الماضي، وأن لابد لهم أن يبحثوا عن صيغة حكم جديدة تحاول أن ترتقي إلى مستوى المتغيرات التي طرأت على موازين القوى.

 

طيلة سنوات والعراقيون يكتوون بلهيب نار تأكل مفاصل حياتهم لتحيلها إلى حياة أشبه بعيش الطحالب. لقد اكتووا بنار الطائفية والفشل السياسي والاداري وضياع هيبة الدولة تحت أقدام المنتفعين، وانتهى الأمر بضياع الأرض وتشرد أعداد مخيفة هجرت من ديارها تعيش على المساعدات الشحيحة في المخيمات والمدارس والحسينيات والمساجد، وحتى في ساحات المدن وتقاطعات طرقها.

 

ولأن منطق النار واحد في كل زمان ومكان، فان كرة النار هذه لن تتوقف، بل ستزداد اتساعا لتواصل التهام من تصادفه في طريقها، بمن في ذلك من يشعل النار ويغذيها.

 

لقد عانينا من منظومة تفكير خائبة وقصيرة النظر، وكان آخر تجليات عجزها انها لم تستشعر دنو الخطر إلا عندما لسعتها النار. ولا أعرف إن كانت، والنار تلفحها، قد ادركت اليوم ان اللعبة قد انتهت، ام انها ستظل تحاول معالجة الأبواب الجديدة بمفاتيحها القديمة.

 

نحن اليوم على مشارف انتهاء حقبة من تاريخ العراق الحديث ما عاد ممكنا لها أن تستمر، فلقد سدت الطرق بوجه معالجة الازمات بسياسة حافة الهاوية، والتسويف والمماطلة بدفع استحقاقات الوطن، والعبث المجنون بأرواح البشر ومصائرهم، والتلويح بآمال ووعود كاذبة. كل ذلك انتهى بسقوط الموصل والتداعيات التي اعقبته.

 

على الطاولة اليوم استحقاق واحد له الاولوية هو العودة الى الدستور، تلك الوثيقة التي ظلت موضع اعتراض الكثيرين. لكن هذه الوثيقة، حتى بصيغتها المريضة الحالية، ستكون مفتاحا بيد من يريد ان يستخدمه كي يلغي واحدة من اهم اسباب التدهور الامني والسياسي والاقتصادي وهي القرارت والاجراءات الاستثنائية التي تمت خارج الصيغ الدستورية فأضاعت فرصا ثمينة لن تعوض بسهولة ولا بزمن قصير.

 

ولأن الموقف الحالي اصبح معقدا ومركبا، لم تعد تنفع فيه معالجة المشكلات بالتعاقب. ينبغي الخروج بحزمة متزامنة من الاجراءات كي يتسنى للازمات المترابطة والمتداخلة ان تفك احداها الاخرى. هناك حكومة ينبغي ان تشكل بأسرع وقت، وقوانين مفصلية لابد أن تشرع، وجيش يحتاج الى جهد وطني هائل كي يقام على أسس مهنية تلزم الجميع بعقيدة وطنية واحدة، وموازنة ضاع توازنها، وأمن ما عاد يكفل أمن أحد.

 

اتمنى ان ينجح العبادي في الخروج من عباءة حزب الدعوة الى الفضاء العراقي الأوسع كي ينجح في اللعب مع كرة النار.