بين دهاء المسؤول وسذاجة المواطن.. عدسة تصوير

ظاهرة اجتماعية أخرى من جملة الظواهر الكثيرة في عراقنا الجديد الواعد، يتمظهر فيها رجلان بينهما أقصى فاصلة ممكنة، إذ كل منهما يقع على طرف نقيض من الآخر، وخاصة من الناحيتين الاجتماعية و السياسية، إنهما ببساطة: (المواطن العادي والمسؤول العالي) حيث يحاول كل منهما الاستفادة من تلك الآلة العجيبة والاختراع المبهر التي لها القدرة على تجميد الواقع في رقاقة من الورق أو في حيز صغير من ذاكرة حاسوب... كل منهما يسعى إلى (التشبّهبالآخر) لأغراض وأسباب تبعث أحياناُ على الاستغراب أو تكون مبعثاً للابتسام الساخر المستتبع للضحك (وشر البلية ما يضحك)... تعرض علينا صفحات التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى مواقف لمسؤولين كبار في الدولة و أناس بسطاء من عامة الشعب، وهم يمارسون طقوس هذه (الكوميديا الساخرة) التي يطلق عليها العراقيون: (صورني وأني ما أدري). 
ففي المشهد الأول نرى المسؤول في الشارع يمسك بيده مكنسة إلى جانب عامل النظافة وهو منهمك في تنظيف جوانب الأرصفة وينبعث من مكنسته الغبار في إشارة إلى واقعية اللقطة وهمة المسؤول، أو نراه في موقف مماثل يكدح في حراثة الارض مع لفيف من المزارعين والعرق يتقاطر من جبينه وصدغيه.. أما الصورة الأكثر تكراراً فهي التي تظهر المسؤول على مقربة من بعض الأبنية قيد الإنشاء مرتدياً لبزة عمال البناء وممسكاً بطابوقة أو مالج...

وفي المقابل فإن هذه المسرحية الهزلية تعرض علينا مشهداً آخر مختلف، حيث نرى المواطن المسكين جالساً خلف مكتب فخم على كرسي دوّار وبين يديه علم صغير وهاتف أرضي وآخر نقّال وأقلام وكتب، وهو ينظر إلى مستندات أو يقلّبها بيديه، أو نشاهده مرتدياً بزة فاخرة واقفاً بطريقة استعراضية غريبة: (مغضن الجبين، منتفخ الهيئة، ينظر إلى الكاميرا شزراً)، أو نراه أمام سيارة فارهة لا يملك عشر معشار ثمنها وهو يضع يده عليها موحياً بأنه المالك... وهكذا تتعدد المواقف الساخرة في مسرحية (صورني وأني ما أدري) التي نشاهدها يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي. والأمر الطريف الذي يكمل فصول هذه المسرحية ويختمه بختام كالمسك ما نطالعه من (خرطوش) الاعجابات التي يؤشرها الاصدقاء (وفي حالة المشهد السياسي: عوضاً عن الاصدقاء: المتملقون)، أو ما نقرأه من عبارات عفوية غالباً ومحبوكة نادراً في تعليقات قد تطول أو تقصر لكنها تدور حول الكلمة السحرية (منور).