عراقي يحلم بالمستحيل

أنه يتسأل: كيف سيكون القادم الذي يمطرنا على غير ميعاد؟! طال المغيب وضاعت البشائر، هذا العالم بوسعه ضاق علينا، الهواء خانق واليوم مثل الأمس، نفوس مريضة، قرارات غير مسؤولة، أفكار مترددة وشاردة، لا ثبات ولا رسوخ في الرأي، قتلتنا المبادئ الكاذبة والألسن المزمرة! أفكر بكل هذا وغضب وثورة يطحناني، أريد أن أثور واسمع العالم ضجيجي الذي لا يصمت ... غاضب لأن أصبح اسم العراقي يُخاف منه ... أصبحنا في موضع الشك وفي دائرة الاتهام والفساد! وثورة تجتاحني هي حنينًا وشوقًا وحزنًا على كل ما يسلب منا: الأمان، الكرامة، الوجود، الأرض، الاسم ... كيف لهذه جميعها أن تعود؟! 
مسكينًا هو العراقي أنه لا يطلب الكثير أنها مجرد أمنية بسيطة تخطر على بالهِ ولكن مع ذلك هي مستحيلة الحصول في ظل واقعه! سنين وسنين تمضي إلى غير رجعة وهو ما زال يعيش المعاناة باختلافها ... فكم من عراقي ما زال الحلم يورقهُ؟ وكم من عراقي ما زالت الأرض تنبذه؟! أصبح كل شيءٍ لهُ مستحيل بل أصبح يعيش المستحيلات، العالم من حوله في حراك وهو ما زال في سكون وصمت وتراجع دائمي، ما زال في نقطة لا يستطيع تجاوزها، لا يعرف كيف يخطوّ للأمام ولا يعلم كيف يُسمع صوته، كل ما يعرفه أنه لابد وأن يكون راضخ وتابع لكي يتابع ما يجري من أحداث ويواكبها بعيون وعقول غيره! 
هناك يدٌّ تلوح بالبقاء وأخرى تُمدّ للأعناق، هناك صراخ من أجل الهروب، عيون دامعة تودع الأحباب ... أبواب تغلق قبل حلول المساء ... أذان مترقبة تنصت يمينًا وشمالاً ... عقول مرهقة وأفواه مُكممة ... هنالك صوت خافت وكأن به رعشة الخوف ينادي من بعيد بالنجاة ... لغة تنشأ من اختلاط الحروف .. هنالك كيان عراقي يُبنى على الأنقاض والمخلفات ... هنالك أرضًا يطالها الجراد ... الأحداث والمناسبات التي فيه وكأنها مآتم مُقامة على الدوام ... المال يُسرق ليوزع للغرباء وأيادي تصافح من تحت الطاولات... مراهنات، مزايدات، منافسات، صراعات، تقسيمات، تزييف للحقائق، تحريف التاريخ، تعصب، تطرف، تحولات خطيرة، العبث بالتسميات وتحويرها، سلب الكرامة .... كل هذا وغيره موجود في المغارة المنسية، التي فقط الغروب عنوانها والضياع مسكنها. 
كثر الحديث وقل الفعل! جملة تناقضات، ظهور أنماط متأثرة بالبيئة تجد في التعايش والتفاهم صعوبة بالغة وعدم تكييف، أنماط لا تقبل بغير ما مرسوم في دائرة أفكارها وما مخطط في عقولها وما موجود في واقعها المحصور، أنها لا تستقبل ما يخدم وما يُنمي بل تبث ما يحطم! 
ما زالت الدائرة نفسها منذ أعوام كما هي والكل يدور في فلكها، وكأن الحياة محصورة من ضمنها أو ربما من يتخطاها سوف يتوه ولا يعرف العودة إليها، أنها الدائرة ذاتها لا تغيير مسهّا ولو طفيفًا وكأن حدودها صنعت من فولاذ يصعب تجاوزه! ما زالت الأفكار تنسخ وتُعاد والنتيجة غائبة ومجهولة وملغية ... الحماس الأعمى يلهبهم ومع الوقت يخمدون ويعودون إلى الركود! تمضي الحياة بالأشخاص أنفسهم وأفكارهم ذاتها تنتهج نفس القالب والمضمون! وهذه هي المشكلة التي تعاني منها الأكثرية وهي العيش في ظلال أفكارهم وزمانهم وعمرهم، والزمن من حولهم يدور وهم عن الوعي غائبين وفي سبات مستديم، السنين تتقدم بهم وانقسامهم الواحد ضد الآخر يزداد ويكبر وكأنهم يربون وحشًا يلتهّم من يأتي في طريقه بدون رحمة. 
الصراعات الدائمة نتيجتها إلغاء وتهميش، أنها السياسة العقيمة المنتهجة من أجل مصالح وغايات. والمجتمع العراقي بحاجة إلى وخزة ضمير من أجل أن يستفيق وينهض للحياة، السبات الذي هو فيه لسنين طويلة نتيجته هو بسبب كونه لا يقبل على التجديد ولا يرضي بغير ما هو موجود في حدود فكر غيره، أنه خائف ومتردد من الإقدام خوفًا من الفشل والمنافسة! تلك الأفكار التي كانت في زمن ما زالت تعيش وتتكاثر نحو الاسوء والسيئ، وهذا واضح مما هي الأمور والأوضاع تؤل إليه في البلد. 
كل من أعطى لنفسه المسؤولية لابد وإن يحرك دوامة أفكاره باستمرار من أجل استمرارية دائمة ومواكبة الحدث بنتائج إيجابية، لابد من دراسة الواقع كما هو في لحظته من أجل مستقبل أفضل وأنضج وأوضح ومن أجل النجاة والفرج من المصائب التي البعض بعيدين عنها وآخرين من يقعون في مصيدتها. 
أليس من حق العراقي أن يحلم حتى وإن كان مستحيلا، المهم أنه يبادر بالمحاولة من أجل أن يلمس ويعيش لحظات يتمناها في الواقع المرير؟!