عذابات النص.. بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه

قصة العلاقة بين الكاتب ومترجمه في عالمنا العربي ليست بالقصة السارة في جميع فصولها. سبق للعروي أن اشتكى من ذلك بشأن كتابه الذائع الصيت (الأيديولوجيا العربية المعاصرة)، فاتهم ونيل منه!! إلا أن الرجل حوّل القضية إلى إشكالية، إلى سؤال حقيقي، بدل الدخول في نفق التنابز المبتذل، قال: إن الترجمة الرديئة تعطل مشروع تحديث عقول أبناء مجتمعاتنا. ماذا سيكون حال العقل والوعي العربي لو توقفنا قليلا وتأملنا هذه القضية، هل يمكننا أن نتخيل مدى فداحة المسألة؟! مسألة أننا نترجم أحدث ما يقوله مفكرو الغرب بنحو مشوّه!! ماذا سيرى الغربيون في ترجماتنا لو كان بإمكانهم الاطلاع عليها: استثماراً لأفكارهم أم تشويها وطمرا لها؟ أليس في نظائر هذه الترجمة ترسيخا للوهم القائل بعمق كل ما هو تراثي ووضوحه وبلاغته وفصاحته، وسطحية كل ما هو حديث ومنقول وغموضه وعجمته؟!
لنترك العروي ولنلاحظ، اليوم، فصلا جديدا من هذه القصة، مع عزيز العظمة هذه المرة. من اطلع على كتابات عزيز العظمة من خلال (العلمانية من منظور مختلف) وغيره من مؤلفات الرجل القيمة، سيعرفه كاتبا على مستوى كبير من الوضوح والتماسك المنطقي في التحليل والمناقشة .. في المقابل من يقرأ له اليوم (هل الإسلاموية قدر العرب) عبر ترجمة (حمّود حمّود) سيجد نصا أهون ما يقال فيه إنه ترجمة اعتباطية !! وإلا فكيف يمكن لنا أن نستسيغ نصا بهذا النحو من العبثية والغموض والركاكة؟! وفي أي موضوع؟!! "الإسلاموية" وليس موضوعا آخر؟!! مع هذا النص من سينتصر : العظمة أم مناوئوه؟! التنوير الذي يدعو له أم الظلامية التي يقاتل الإسلامويون بضراوة من أجلها؟!!
انظروا الاقتباس التالي ولاحظوا مقدار ما يحتويه من هراء؛ أسلوبا ومضمونا:
(إنني أرى أنّ ما يتخذه به أسد بخصوص الهوية المسلمة، وما يأخذ به كازانوفا وتايلور بخصوص المسارات الحضارية، ليسوا قوى طبيعية تسيّر الجماعات البشرية إلى نتائج محددة أو إلى آفاق محدودة من الإمكانية. فلا يمكن اختزال المسلمين البريطانيين والمسلمين على نحو مجمل إلى مجتمع متجانس. هكذا، فإنّ الصوت المحلي، سواء أكان ذاك الصوت في الرياض أو في لندن، ليس صوت الطبيعة. إنه بناء من الاصطناع والاختلاق، متمفصل من خلال الأداء الملائم، وإن كان على ما يبدو من السذاجة والعفوية، وإنْ يؤدى بإخلاص. ما ينطبق في كل من جاكرتا والقاهرة بالنسبة للصوت المسلم المحلي هو نتيجة التطورات التاريخية الأخيرة التي تحمل الكثير من الهندسة السياسية والاجتماعية. وفي كل ذلك، فحينما تكون علامات ورموز الأصالة فعلاً أصيلة، فإنهم من ثم، كما هو حال الفولكلور، مزيج من بقايا، بدرجات متفاوتة من الجاذبية والملائمة).