عبد المنعم الفرطوسي وثلاثون عاما على الرحيل... جمال الخرسان

في قرية تابعة لقضاء المجر الكبير ولد عام 1916 الشاعر "عبد المنعم حسين حسن" المعروف بإسم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي. وبين محل ولادته في اطراف قرية الصحين في اهوار ميسان ومدينة النجف الاشرف التي تعلم فيها علوم اللغة العربية والعلوم الدينية قضى وطرا كبيرا من حياته، لكنه مع ذلك اقام فترة في سويسرا ثم في لبنان واخر سنوات حياته كانت في ابو ظبي حيث توفي في الثامن عشر من تشرين الثاني سنة 1983.
الشيخ الفرطوسي شاعر مكثر في انتاجه، فبالاضافة الى ديوانه الشعري المؤلف من جزئين.. له ايضا ملحمة كبيرة في اهل البيت قوامها اكثر من اربعين الف بيتا طبعت في ثمانية اجزاء بعد ثلاث سنين من وفاته. مضافا الى ذلك له ايضا: "الفضيلة" وهي رواية شعرية من الأدب الحزين يبلغ عدد أبياتها 600 بيتا، كذلك أرجوزة شعرية في علم المنطق تتألف من مائة بيت ومجموعة اخرى من المؤلفات في مجال العلوم الدينية.
ولان تلك الحقبة الزمنية التي عاش فيها الشاعر تزامنت مع تنامي حس الدولة القومية ونزعة الكثير من البلدان العربية للاستقلال اضافة الى احداث سياسية كبيرة حصلت في المنطقة العربية لذلك غلب على شعر الفرطوسي طابع الحماسة واستنهاض الاجيال كما هو الحال مع الجواهري، مظفر النواب، ومصطفى جمال الدين وغيرهم من شعراء تلك الفترة. عبد المنعم الفرطوسي لم يكن يفوّت الاحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي حصلت في العراق وفي بقية انحاء الوطن العربي، فكتب: عن فلسطين، الجزائر، مصر، وعن معظم البلدان العربية التي كانت تشهد نزعة للاستقلال والبحث عن الهوية. وكتب عن ثورة النفط في ايران عام 1952 بقيادة الدكتور مصدّق. وكتب في الشان العراقي عن الكثير من الاحداث السياسية مثل احداث كانون الثاني عام 1948 إثر توقيع "معاهدة بروتسموث" كذلك احداث تشرين الأول عام 1952 حيث كتب في تلك المناسبة:
وبلادنا والشوك يدمي قلبها وحقـولها فـي الغرب ورداً تعبق
مـاذا تؤمـل بعدمـا قـد عقّها أبناؤهـا وقسى بهـا مـن يرفق
أحزابنـا وهـي البـلاءُ وكلّهـا صـورٌ لتفـريـق البـلاد تلفّـق
لقد رافقته الاحزان وكأنه سيء الحظ كما هي حالة الشاعر احمد الصافي النجفي فقد توفي ابوه وهو لم يزل شابا ثم في فترة زمنية ليست طويلة فقد ايضا اثنين من ابنائه ولان المصائب لا تأتي فرادى فقد الشيخ الفرطوسي ايضا اثنين من إخوته، وتلاحقت عليه المحن التي انعكست في مناسبات كثيرة على نتاجاته الشعرية. عن تلك الاوقات العصيبة التي مر بها وما لاقاه من مصائب يكتب:
تأملت فـي هذي الحيـاة فلم أجد بها لـي الاّ مسلكاً مـوحشاً وعرا
كأن خطوب الـدهر آلت وأقسمت على نفسها أن تـرغم الفطن الحرا
رضيً بقضاء الله إن كان قد قضى علي بأن اشقى وطوعاً لما اجـرى
وكان حينما تشتد به الاحزان يترك النجف باتجاه ميسان الى حيث الاهوار الوسطى واطرافها فهناك الكثير من ابناء عمومته وهناك له ارض زراعية ياخذ خراجها كل موسم حصاد، فتنفتح سرائره مع زرقه المياه والطبيعة المخضرّة طوال العام. في قصيدة "بنت الريف" يشير الى ذلك حين يقول:
طف بالقـرى واهبط بـدنيا الريف واستجل سـر جمالهـا الـمكشوف
تجـد الطبيعـة عنـدهـا مجلـوّةً حـيث الطبيعة مـن بنات الـريف
والحسن سطـرٌ والربـوع صحائف خطت بهـا الألطاف خيـر حروف
أنّـى التفت وجـدت فـي جنباتهـا مـرأىً يـروق لقلبـك المشغـوف
وكما كان يسجل مواقفا سياسية تجاه الكثير من القضايا بحماسة ذلك الجيل المتطلع والتواق لبناء وطن عربي كبير، كان ايضا يسجل في اشعاره نقذا لاذعا لمنع الاناث من التعليم وهي ظاهرة حصلت في بعض المدن الدينية، ورغم انه رجل دين لكنه وقف بوجه رجال دين آخرين استنكارا لموقفهم من تعليم الاناث. وفي اشعاره ايضا انتصار الى مظلومية المزارعين مع الاقطاع وغيرها من الالتقاطات الهادفة التي كان يوثقها ويحتج عليها في الكثير من قصائده. في ذكرى رحيله الثلاثين بغداد تحتضن عام الثقافة العربية.. فهل يجد الشاعر عبد المنعم الفرطوسي من يتذكره يا ترى ؟!