لاهم حمائم ولا صقور

جرى استخدام مفهوم الحمائم والصقور في السياسة العالمية اشارة للمتساهلين والمتشددين خاصة في قيادات اية مؤسسة سياسية , سواء كانت حزبية ام حكومية . وفي العراق قد يكون في بعض الاحيان مثل هذا التحديد بين منتسبي القوائم المتنفذة وأحزابها , وهم في كل الاحوال قلة . هذا التوصيف يستوجب ثبات مبدئي باتجاه هدف عام مشترك , ومن اين تأتي بالثبات لأناس تعاموا عن دينهم وطائفتهم وقوميتهم امام مصالحهم الشخصية والحزبية ؟ الاختلاف بين الحمائم والصقور هو في نوعية الطرق السياسية الموصلة لهدف المجموعة بطرفيها , فالحمائم تبحث في الطرق السلمية والصقور بالقوة والجبروت .
في العراق الصقر يتحول الى جربوع , والحمامة الى طنطل . والمطلك يقول اليوم المالكي اكبر دكتاتور واليوم الثاني نائبا له , والمالكي يتهم معصوم بمخالفته الدستور مرتين وبعد يومين يمتثل لتكليف معصوم لغريمه العبادي , والأغلبية مثل المطلك والمالكي . وهذه الاغلبية ليست حمائم ولا صقور , بل غربان , وهو السبب الذي يخلق الحيرة عند ممثلي الدول الاخرى في التعامل مع القيادات العراقية , ومن لم يفهم طبيعة الغربان لن يكون بمقدوره معرفة طبيعة تصرفات القيادات السياسية العراقية . الغربان عندما تكون وحدها فوق مرتعها التليد المزابل , تجري بينهم مماحكات قد تصل الى مهارشات ومعارك تسيل فيها الدماء وتفقس العيون للاستئثار بقمة المزبلة , ويتقاتلون اكثر عندما يجدون بيوض باقي الطيور للاستئثار بأكلها . ولكن الغربان تتماسك وتصبح كتلة واحدة عندما تهاجم الانسان , وبالذات الذي يحمل بيديه قطعة من اللحم او الاكل , ومن سوء حظ البشر ان كان يسير بطريق الغربان .
الامريكان يكاد ان يكونوا الوحيدين الذين يعرفون النهج السياسي للغربان العراقية , والقادرون فقط للتحكم بتوجهات هذه المجموعة الواسعة التي توحدها الغربنة بعيدا عن الدين والطائفة والقومية التي يدعون الدفاع عنها . وبغض النظر عن الشهداء وما اظهره العراقيون من احتجاجات بدأت ببغداد قبل ثلاثة سنوات , وصبرهم على الذل والهوان الذي طوقوهم به من خلال اشاعة الارهاب والفساد واللصوصية وسرقة المال العام , وبغض النظر ايضا عن نداءات المرجعية الكريمة في النجف الاشرف , فان هذه الغربان تعرف جيدا ان عيشتها تعتمد على الامريكان الذين اوجدوا لهم المزبلة التي لا تزال برعايتهم ومكب نفاياتهم , وهم ( الامريكان ) سيستمرون في الحفاظ على هذه المزبلة الطائفية , لانها الوسيلة الكفيلة باستمرار انهاك العراقيين ومنعهم من النهوض بوحدة مصالحهم المشتركة . وليس بعيدا ان يطبق الامريكان سيناريو هتشكوك لفلم الطيور بهذه الغربان لزيادة تدجين العراقيين اكثر .
الصراعات التي رافقت تشكيل الحكومة بدءا من رئاسة البرلمان والجمهورية , والنهش الذي يجري حاليا لتشكيل وزارة العبادي سواء بين اطراف المكونات او بين المكونات لانتزاع وزارة من هنا وأخرى من هناك , توضح الصورة التي تكون عليها الغربان وهم وحدهم فوق المزبلة . وما لم يتدخل الامريكان عند الضرورة مثلما ازاحوا كبيرهم , ومنعوا آخر عن الدفاع , وثالث عن الخارجية – كما سربت الاخبار – فان الوزارة لن تتشكل . المهم بالنسبة للأمريكان بعد عودتهم القوية هذه الى العراق ان تشكل الوزارة وفق ما يرونه على قياس شروط المزبلة , وما يهم الغربان هو استمرار بقاء المزبلة . وما لم تزال المزبلة على ايدي العراقيين , فلا خلاص من الغربان .