الصحافة العلمية

رغم تزايد البدائل لدى القراء وكل هذه الثورة العلمية، فإن الصحافة متربعة على معظم الاهتمامات وهي تحافظ على ريادتها بأن تكون الصوت الأعلى والأهم، وهذا ليس لدينا فحسب وإنما هي موجودة في أرجاء العالم كافة دون استثناء. لا توجد دولة إلا ولديها صحافة ترفدها وتنطق بصوت المجتمع وترصد الحراك وهموم الناس وتطلعاتهم، وإذا أردت أن تنظر لنهضة بلد فانظر إلى صحافته ومدى نزاهتها وقوتها وتعددها ومصداقيتها، فالواجهة العلمية والثقافية والمعرفية تجدها دون عناء في الصحافة وما يكتب فيها.
في هذا السياق أريد أن أطرح ملاحظة منذ فترة من الزمن وهي تدور في الذهن متمثلة بالهوس الملاحظ لدى البعض في عالمنا العربي حول الريادة والتفوق، حيث نلاحظ عدة ظواهر جديرة بالتمعن والانتباه لها، وهي أيضاً ظواهر تعكس خللاً في معالجتها والتدقيق في صحتها..
كم مرة قرأتم أخباراً على شبكة الإنترنت نقلاً عن صحف عربية تجري لقاء مع شخص يدعي أنه وجد علاجاً للسرطان؟ أو آخر اكتشف معدناً جديداً غريباً وغير مسبوق! وثالث لديه نظرية علمية جديدة تتعلق بالرياضيات وبسبب هذا الكشف العلمي المهم هو يسقط نظرية المربع والمثلث.. إلخ. تقرأ مثل هذه الأخبار فتلفحك الأرقام والكلمات العملية التخصصية الصرفة، بل حتى الصور عبارة عن دوائر ومربعات ومثلثات غير مفهومة، ثم تأتي لتسأل عمن أجرى الحوار، فتجده صحافياً ينقل أخباراً في كل مجال وحقل، ويظهر أنه خلال سعيه للحصول على مادة صحافية جديدة وجد على قاعة الطريق من يقدم نفسه بأنه اكتشف شيئاً جديداً غير مسبوق عالمياً، فنشر عنه. فمن الجهة التي يفترض أن تخرج لنا وتؤكد صحة هذه الأنباء أو تفندها؟
من هنا تنبع الحاجة للصحافة العلمية، وهذه الصحافة تختلف عن التي نعرفها اختلافاً جذرياً، فمعظم من يعمل فيها هم ممن لديهم خبرات علمية، وهم ـ العلماء ـ من يحررونها، وهذه الصحافة هي التي ترصد المخترعات والمبتكرات وتقدمها، بل مجرد النشر فيها يعتبر اعترافاً بالمخترع أو المبتكر، وهذا النوع قد يكون شهرياً أو فصلياً.. كم أتمنى أن تتبنى إحدى الجهات الحكومية هذا المشروع ويكون مشروعاً إماراتياً رائداً على مستوى العالم العربي، وتكون هذه الصحيفة هي المرجع العربي الأول في عالمنا والمنطقة لرصد المبتكرات العلمية والنظريات ورعاية العلماء على مختلف تخصصاتهم.. لفتة مثل هذه سيكون من شأنها تعزيز حضورنا وفيها دعم كبير لكثير من علمائنا والمبتكرين.