أستميحكم عذرا، فصاحبكم ذو خيال كابوسي خبيث وقد خطر لي قبل أيام، بينما كنت أتأمل انتهاء جلسة البرلمان الصاخبة حول ضحايا سبايكر، أن أتخيّل لحظات ما بعد انفضاض الجلسة وذهاب النواب لشؤونهم. تخطر لي أن أتخيل ذلك رغم أنني لم أذهب للبرلمان يوما ولا "أندل" حتى مكانه. نعم، في بداية التسعينيات كنت عملت لمدة أشهر كـ"صانع" كهربائي في مكان ما قيل حينها أنه قصر المؤتمرات. ثم سمعت بعد ذلك أنه المبنى نفسه الذي صار مجلسا للنواب. عملت هناك لفترة احتار خلالها رؤوسائي في العمل من فهاوتي وعدم إجادتي أي شيء يتعلق بمهنتهم الجميلة. دعونا من ذلك الآن ولنبقَ في تخيلي فيما يتعلق بالنواب بعد انتهاء أخطر جلساتهم وتفرقهم في المبنى قبل مغادرته لأماكن سكناهم. قلت لنفسي؛ لابد أنهم سينهون جلستهم كما ينهي وجهاء العشائر جلساتهم بالمزاح والقهقهة وتبادل آخر الآخبار فيما بينهم. ربما سيكون ذلك وقوفا في الردهة الكبيرة، ولابد أننا سنسمع حوارا مثل هذا؛ الأول ـ شأخبارك أبو فلان..شوكت رجعت من سفرتك لأوربا؟ الثاني ـ الحمد لله بخير، بس تره السفرة فاتتك ولو أنت مدومن ويه ربعك يوميه بدولة. الأول وهو يقهقه ـ يمعود بس سمعه وداعتك ..شمحصلين غير الاتهامات. هنا تدخل نائبة على الخط وتقول لهما ـ تره هاي ما صايره..أشو الكلام بس الهم، شبيهم ربعنا ساكتين؟ فيتداولون في الموضوع مبسبسين وكأنهم في فصل غيبة عراقية نعرفها، لينتهي الأمر بالنائبة لتغيير اتجاه الحديث قائلة لأحد زميليها ـ أكلك أبو فلان، بعدها علاقتك زينه ويه فلان؟ تقصد وزيرا متنفذا، فيقول لها ـ أي شعندك، أمريني، ما دام موجود هالأيام ببغداد. فتترخص النائبة من ثالثهما لتسرّ زميلها بقضية بنت أخيها التي لا تزال موعودة بالتعيين في تلك الوزارة. لندع هذه القضية ولنذهب إلى حلقة أخرى تتكون من ثلاثة نواب ونائبتين يتضاحكون ويتمازحون متذكرين ما جرى في سفرتهم الأخيرة لهولندا وكيف أن أحدهم ضاع في أحد الشوارع وبالكاد وصل للفندق لعدم إجادته اللغة الهولندية. إحدى النائبتين تقول ـ لا وجماله عله أساس عازمنه على الغداء، يمكن هو اللي ضيّع نفسه. فيضحك النائب المعني ويقول ـ هسه هو أكلهم عله حوره، قلت لكم نذهب لبيت أخويه أبو رافد ونضرب الدولمه يمه وأنتم ما قبلتم. القهقهة تتعالى والوجوه تنتعش وهي تسولف سوالف النصف ساعة الأخيرة قبل الذهاب للبيوت في سيارات الدفع الرباعي، حيث التكييف يكفخ الوجوه والتلفونات لا تتوقف عن الرنين، فمعظم عوائل النواب تقيم خارج العراق وأبناؤهم ربما يدرسون في أوربا وطلباتهم لا تتوقف. هذا عن النواب فماذا عن عوائل ضحايا سبايكر الذين جاء بعضهم لتقديم شهادته؟ المشهد سيكون مختلفا كثيرا، فبدل أن يذهب هؤلاء الناجون للردهة المخصصة للنواب، ربما سيخرجهم موظفون إلى خارج المبنى، في حجرة استعلامات كبيرة، انتظارا لسيارة تنقلهم لبيوتهم أو إلى أماكن خارج المنطقة الخضراء. لعلهم وهم في تلك الغرفة سيتصايحون فيما بينهم ويلوم بعضهم بعضا على الشهادات غير المؤثرة التي قدموها. هذا يقول لصاحبه ـ يا أخي أنت كلشي ما حجيت، ظليت تمتمت وخايف، منين تخاف ما تكلي؟ قابل شيصير بينه أكثر من اللي صار؟ فيجيب الآخر ـ ما شفتهم شلون يسكتون بيه وما يخلوني أحجي، يريدون يلغمطوها كالعاده. في هذه الأثناء تلاحظ أم أحد الناجين عددا من سيارات الدفع الرباعي وهي تسير بسرعة خارجة من مبنى البرلمان ـ اي يمه يريدون يطمطموها..احنه ولد الخايبه محد النه، ياهو بحالنه؟ دشوفوهم شوفوهم شلون الدنيه زاهيتلهم..راحو لبيوتهم ولا جن 1700 مكرود راحو بالرجلين! يعم صمت مطبق وخيبة لا مثيل لها. تدمع عين أحد الناجين فينتبه له الآخر ويقوم ليربت على كتفيه مواسيا ويقول له ـ الله كريم أبو فلان..المهم وصلنا صوتنا والباقي يم ربك، هو يعرف الجاني وما يفوتها له..يلله امشونا أجت الكوستر.
|