أُريدَ بالمُحاصصة, هكذا قالوا لنا, أن ينالَ كلٌ من فئات سكان العراق, حصتَه من الثروة والنفوذ وفقَ مَعاييرَمُنصِفة, مَعاييرَ,عُنصرية ودينية وأتباع مذاهبَ, كل وِفقَ ثِقله السُكاني. وقُسِّمَ (مُزّقَ) شعبُ العراق الى اكرادَ وتركمان وسُنةٍ وشيعة وقوميات ومذاهبَ أُخر, مذاهب اجتهدها المستشرقون بناء على قرآئتهم في الاساطير وقطِع الفُخار. وإتضحَ, منذ البداية, انه حتى خبراء التفتيت والتشرذم, لا يستطيعون إيجادَ قاسم مُشتَركٍ يُنتظمُ, فيه وحوله هذا التجمعُ الفريد من الانواع البشرية وذلك لما بينها من تشابهٍ وإختلاف في آن واحد, فالاكرادُ والتركمان وإن صارت لهم حصصُهم كعنصريات فانهم *سُنّة* المذهب أيضا, بل هم الاكثر عددا وتعلقا بهذا المذهب وقد شكلوا السَند الرئيس لحُكم المذهبية السياسية في السابق. وهناك العرب *السُنّة*, كان اسمهم *السُنّة* فقط في بداية دولة 2003 ثم طُورَ الى ما هو عليه الان, لاسبابٍ, لا نقول عنها بريئة, فقد اخذ غير العرب حقوقهم كعنصريات, فضلا عن حقوق لهم ك *سنة*. بين السنة كثرٌ من المستعربين وكُثرٌ من هولاء قياديون في هذه الفئة وهم (المستعربون) كثيرا ما أظهروا مُيولا, (بإستحياء) نحو أصولِهم العرقية و*العِرقُ ندّاس*.
الغالبية الساحقة من الغالبية الشيعية عربٌ أقحاح وفيهم قِلةُ مُستعرِبون وقياديون احيانا كما ان فيهم قلة من غير العرب وقد اظهروا ميولا نحو اصولهم
هذا بخصوص المُحاصصة وتعذر تحقيق ما قالوا انهم جاءوا بها من اجله. اي ان المتحاصصين لم يأتوا بنفع الى الفئات التي إدعوا انهم يمثلونها. فالسنة العرب والشيعة عانوا على ايدي المتحاصصين من الضيم وضنك العيش ما لم يعانوه في اي وقت. وكان حظ الاكراد من شرور المُحاصصة نزر قليل, لاسباب لا مجال للتعرض لها في هذه الفسحة, كما ان القبائل العربية التي تُمثل الثِقَلَ السُكاني الفاعل في العراق, ينتظم, معظمها, كلا المذهبين , فضلا عن العَدد الهائل من الزيجات بين افراد المذهبين, السُنّي والشيعي. فاذا فشلت المحاصصة في وجهها الصائتِ فما حالُ وجهِها الصامت, التوأم الاخر, سايكس بيكو العراق.
معاهدة سايكس- بيكوالأولى, رُسِمَت بعد الحرب العالمية الأولى, لإقتسام الثروة والنفود في البلاد العربية ووَضَعَ (صَنَعَ) المنتصرون وكلاءَ عنهم سَمُّوهم ملوكا وأمراءَ وشيوخا, لا يمثلون رغبات سكان البلدان التي سُلِّطوا عليها ولكنهم كان ممن يركن اليهم في تنفيذ إملائات الفاتحين اصحاب النعمة عليهم.
أما في سايكس بيكو العراق, بعد 2003 فقد تعدد الطامعون في اقتسام النفوذ في العراق منهم دول عربية وأخَرٌ إقليمية ودولية. ولأن رَسّمَ قسامٍ شرعي لورثة العراق الجدد, بات مستحيلا , كان لابد من الاستعاضة عن فئات الشعب بكتلٍ, جَمَعَ اصحابُها, كلُ واحدٍ منهم نفرَا وإدعى انه يمثل وينطق باسم فئة من الشعب وما كانوا يمثلون إلا رُعاتهم, دولٌ ذُكرتُها في اعلاه. يتألفون ويأتلفون ويختلفون وتتحدُ كتلٌ وتفترقُ كُتل, كل ذلك يحدثُ, لا بعد نقاشٍ وبياناتٍ وتصريحات وإرتدادات, بل يَحدثُ في لمْحِ البَصَر وكأنه, بل هو, إمتثالٌ لأوامر. كان اصحاب الكتل متصلبين في عدم المشاركة في الحكم والمالكي فيه وما ان ايَّدَتْ الدول القريبة والبعيدة بديل المالكي, حتى جَرَوَا, يريدون حَيّزا لهم, في الحكم القادم, مع أن بديل المالكي هو مِن حزب المالكي ومن بطانته ولا يقل عنه مِراسا وإلتزاماً بالثوابت. لم يأتهم الايحاء من الشعب, فبالشعب ومصالحه هم غيرُ مكترثين, هم وراء الحقائب الوزارية يلهثون وما يترشح من اخبار يومىء صوَبَ هذا.
لنسأل الكُتلويين ونقول: ما فعلتم ب العراق بعد 2003, نعرفهُ ويعرفُه العالمُ ولكن ماذا فعلتم, لل العراق قبل ذلك؟ كُثرٌ منكم مَن لم يخدِمْ في اي من مرافق الوطن ولا يوم واحد ولا في الجيش يوما قبل *الفتح* وان تواجد في اي مرفق فلا ينتج. كلُ راسِ
مالهِ أن صدام لم يكن راضيا عنه فارتعدت فرائصُه وفّرَّ لا يلوي على شيْ. جعلوا من عدم رضا صدام عنهم وخوفهم منه وعيشهم في الخارج حيث الامان والضمان, جعلوا من ذاك. جهادا وكأن الخوفَ سجيةُ ُالمُجاهد.
تَطيَّرَ صدام إذ شعر ان هناك من تساوى عنده الحكم واللطم. وكُثرٌ مِن هولاء مَن كان يُريد الحكم او المشاركة فيه. أذكر انه بمناسبة ذكرى استشهاد السيد الصدر الثاني اقيم تابين في لندن أواخر التسعينات. ووقفت فيه, لاتكلم ومن حضر يذكر. قلت وقد شاهدت رؤساء او ممثلي *القادمين* وتسائلت مع نفسي: أهولاء من سيبنون العراق وقلت ( ولم أكن أنوي قول ما قلت فقد عانيت من ذلك العهد ما لم يُعانيه معظمهم), قلت: انكم لا تبغون الاطاحة بصدام الا لأخذ السلطة والإقامة في قصوره, حفظوا لي تلك الإلتفاتة! عندما استتب لهم الامر.
ما ذا ترون؟ ها قد وصلوا الى الحكم, ولا يرون بعدُ حاجة لنبش الماضي. دعونا نعيش بسلام ولنعفوا عن الجميع, إلا من لم يكن لابساً قُفازاً *فتلوثت!* اياديه بدماء العراقيين ( وهل تُلوث الدماءُ الزكية الأيادي). الله سبحانه لم يُعطِ لنفسِه حقَ العفو عن الجاني بل ترك ذلك للمجني عليه (أو ذَوَيه) يصفحُ أو يقتص, وفق الشرع والقانون.
لقد أفرزت الكوارث الاخيرة, أفرزت *شبابا تسامى للعُلى وكُهولُ* فلنعض عليهم بنواجذنِا ونحتضنهم بقلوبنا, فقد بان نصوعُ صفحتِهم ونقاءُ معدنِهم وهم, لا المنافقون اهلٌ للقيادة وسُحقا للمنادين بشعارات التوازن والمُحاصصة وبالشراكة بالمناصبِ لا بالرأي السديد. ولا مكانَ إلا للكفوء المُخلصِ في العمل.
|