ماعون البصرة وفتوة كرش..!

سني طوال، والحواء العراقية "كَاشية" تتكيَ على جذع النخيل الشامخ، ليقيها سعفه لهيب الصيف؛ بيديها المتجعدتين؛ حلاوة التمر، وملوحة شط العرب؛ ثوبها الأسود العتيق، إرث آل سومر، سامرها مع الحزن، والفرح، لترتديه في حلها وترحالها، فهي جلباب لاينفذ من الخير، وأرضها ذات السواد الحالك من البترول؛ ماعونٌ للجياع بأختلاف مذاهبهم، ودياناتهم دون تمييز.
أحد عشر عاماً؛ كنا نأمل أن تُعامل"كَاشية" بالحفاوة والتقدير، جزاءٌ بما قدمته من العطاء، لا أن يذهب الود، والترحيب إلى" مادلين مطر" لتُحيي أحد حفلاتها الغنائية، برعاية الرئيس المنتهية ولايته، وآلاف الدولارات تشظت على جسدها الراقص، فأي معادلة رخيصة، وضعت فيها حواؤنا العراقية إمراة البصرة، والراقصة اللبنانية! لما أعطيتم أموال"كاشية" إلى مادلين؟!
المعادلة بين إمراة الجنوب، واللبنانية، لا تختلف عن ما يميز بين البصرة، وأقلبم كردستان، أو" هولير" الكردية، و"الشعيبة" ذات الثقوب النفطية الهائلة، في حُصة كلا الطرفين، من الموازنة، أو الكابينة الوزارية، فأرض المقدرات؛ لاتساوي شيئاً قياساً بالإقليم المعزول عن الحيف، والقريب من المحاصصة"الدسمة" فهو" ينهب الجزة، ويأكل الخروف" ولا من مُحاسب!
بُرمت العقود، والإتفاقيات على نفط البصرة، فالأخيرة مدينة خاضعة لسلطة مركزية، ونفطها يجب أن يكون خاضع لعمليات التصدير الحكومية، ووضع الأسعار الدولية، وفق ماتقتضيه الحكومة، لكن لم ينطبق هذا على الإقليم، بل صدر الأخير النفط بدون موافقة المركز، وحدد السعر بناءاً على مصلحة الكرد؛ فهل سكان البصرة(مكَدور عليهم) ويرضونَ بما تضعه الحكومة لهم من حقوق؟! أم إن الكرد لهم مطالب سياسية؛ قد تقف عائقاً في تشكيل الحكومة إذا ما نُفذت؟!
مطالبة" البصراوي" بالإقليم، وحقوقه الوزارية؛ دليل على ثقافته، ووعيه السياسي، وتهميش الحكومة لحقوقهم؛ يقودها الى الإنتحار في نهاية المطاف، وتجد في خواتيم دورتها عند ذلك صفراً إلى الشمال، فكيف لنجاحها ما لم تحقق المنجزات في أرض المقدرات؟! وكيف أن تنهض بالبلد، وعاصمته الإقتصادية، في أوج حالات الفقر، والإهمال الشديد؟!
حكومات متوالية، ولا زالت البصرة في منحر، تُذبح بسكين التهميش، والإهمال، ولم تكن تسميتها بالعاصمة الإقتصادية سوى حبراً على ورق، فإذا كان الإقتصاد شريان الحياة؛ فأي حياة لساكنيها بعد إن سُلبت أبسط متطلبات عيشهم على يد الحكومات الفاسدة، ولم يحظوا بحقوقهم المشروعة، وخابت آمالهم من الساسة الذين أبتلينا بهم!
نأمل أن تسترد مدينة البصرة حقوقها التي سُلبت إثر الصراعات، والنزوات، والتناحر الداخلي في الحكومات السابقة؛ وأن تكون هنالك فُسحة أمل؛ بعد إن رافق الحظ القاس ساكنيها في حياتهم؛ ونأمل أن تحظَ البصرة بالحقوق، والوزارات التي تأهلها لأن تكون عاصمة إقتصادية فعلاً لا قولاً.