العبادي يترنح !!!

تمضي الساعات المتبقية من المدة الدستورية الممنوحة لرئيس الوزراء المكلف الدكتور حيدر العبادي ثقيلة وبطيئة على الرجل الذي أدرك صعوبة مهمته وربما كان لسان حاله يقول لو عادت بي الزمان للوراء لرفضت ذلك التكليف ، ساعات تفصلنا عن الاعلان الرسمي عن ولادة حكومة طال انتظارها محليا وأقليميا ودوليا وعول عليها في حل اشكاليات أكبر من قدرتها. ان مهمة تشكيل حكومة بين أطراف متقاطعة ومتناقضة ترفض تقديم أي تنازلات أمر شبه مستحيل على أي سياسي وفي أي بلد في العالم خصوصا اذا ما أدركنا بأن عراق مابعد المالكي يشهد معركة كسر عظم بين طهران وواشنطن الأبوين الشرعيين للعراق الجديد بعد أن تقاطعت المصالح بينهما وبات من الصعوبة على أي سياسي عراقي مهما كان محنكا مسك العصا من النصف والتوفيق بين الرؤيتين الامريكية والايرانية للمشهد العراقي ففي حين يطلب الامريكيين شراكة حقيقية بين السنة والشيعة والأكراد في ادارة شئون الدولة على قاعدة اللامركزية الواسعة التي قد يتم تطويرها للفيدرالية لاحقا يصر الايرانيين على استمرار هيمنة تيار الاسلام السياسي الشيعي المقرب منهم على ادارة الدولة العراقية مع منح هامش ضيق لكل من الأكراد والسنة وهو مايعني استمرار الأزمة العراقية التي تصاعدت بشكل خطير خلال ولاية المالكي الثانية والتي دخل بها العراق فعليا في دائرة الوصاية الايرانية وهو مادفع الولايات المتحدة لمحاولة استعادة زمام الأمور وسحب البساط من تحت أقدام الايرانيين في ادارة الملف العراقي المعقد بعد الاطاحة بالمالكي ، أن مهمة الدكتور العبادي لم تكن سهلة ولن تكون في حال تم تكليف غيره بتشكيل الحكومة اذ على رئيس الوزراء المكلف أيا كان أسمه مراعاة مايلي :
1- الولايات المتحدة وهي الدولة المؤسسة للعراق الجديد وللعملية السياسية والطامحة لاستعادة دورها الأقليمي من البوابة العراقية والتي تضغط في اتجاه الموافقة على الورقتين الكردية والسنية وتضع هذا الأمر شرطا اساسيا لمساعدة بغداد في حربها مع تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف وهي مساعدة مهمة للجانب العراقي ولا غنى عنها .
2- المحاولات المستمرة من قبل رئيس الوزراء المنتهية ولايته لعرقلة تشكيل الحكومة عبر
فريقه السياسي المشارك في المفاوضات مع اتحاد القوى والتحالف الكردستاني ومحاولته ايصال رسالة للأوساط الشعبية الشيعية على أنه المدافع الرئيسي عن حقوق الطائفة أمام التنازلات التي يقدمها (الانبطاحيين) للسنة والأكراد وهو مايعني التشكيك في شرعية الحكومة المقبلة مسبقا والتي يصب أي تأخير في تشكيلها في مصلحته الشخصية.
3- أطراف التحالف الوطني والذين ينسبون لانفسهم الفضل في الاطاحة بالمالكي وترشيح العبادي بديلا عنه وهو أمر تم لمصالح سياسية بحتة وهم يرون الأن الفرصة الذهبية للعبادي لكي يرد الجميل لهم بتمكينهم من الحصول على المفاصل الأساسية في الدولة .
4- السقف العالي لمطالب اتحاد القوى السنية والتي تعتبر خطوطا حمراء للقوى السياسية الشيعية مثل الاصرار على نسبة 40% من التمثيل في مؤسسات الدولة واللامركزية الواسعة وقانون العفو العام والمسائلة والعدالة واطلاق سراح ضباط الجيش السابق وهي أمور لايمكن للتحالف الوطني عموما الموافقة عنها دون ضوء أخضر ايراني .
5- المطالب الكردية ذات الطابع الاستراتيجي مثل رفع نسبة الأقليم من الموازنة العامة وتسليح البيشمركة والاعتراف بواقع الحال المتمثل بسيطرة الأكراد على المناطق المتنازع عليها وضمها للاقليم وهي أمور تمهد لقيام الدولة الكردية متى ماشاء السيد البارزاني ذلك مستغلا ضعف بغداد .
ومن هنا نرى ان لا قدرة لاي شخصية سياسية تكلف بتشكيل الحكومة على التوفيق بين جميع هذه المطالب وبالتالي ارضاء جميع الأطراف المحلية والأقليمية والدولية الا في حالة الانحياز التام لطرف دون الأخر وهو مايعني بأن العراق على مفترق طرق أما أن يمضي في الفلك الامريكي أو يستمر تابعا لولاية الفقيه الايرانية وفي كلا الحالتين فلا عزاء للوطنية العراقية المفقودة .