ودارت عجلة السرقة.. للتوقف عجلة السياسة

أحياناً أحاول ان أتخيل بماذا يفكر المواطن الأوروبي، وهو يقرأ كتابا أو صحيفة، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر، ولأنني لا أريد ان ادخل القارئ في نفق مظلم سأتحدث عن الكتب، فقد وقعت عيناي على خبر يقول إن كتاب "التاو" حقق مبيعات قياسية في المكتبات الاوروبية بحيث عد الكتاب الأكثر مبيعا، والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثير من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول، وقد تصدى لترجمة الكتاب للعربية اثنان من أهم فلاسفة العرب المعاصرين، وهما الدكتور عبد الغفار مكاوي في ترجمة نشرت باسم (كتاب الطريق)، وهادي العلوي في مختارات من التاو، كتاب التاو عبارة عن قصص وأمثال وحكم ونوادر صيغت بأسلوب رمزي يجمع بين البساطة العميقة والشاعرية الأخاذة. يقول فيلسوفنا الراحل هادي العلوي ان أصل كلمة تاو في اللغة الصينية هو الصراط، وفي الفلسفة يصبح هو الطريق الذي يأتي منه كل شيء والذي ترتد إليه كل الأشياء، من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو) في ترجمة مكاوي اخترت هذه الحكاية التي تفاجئنا بحداثتها برغم أنّها تعود إلى ما قبل ألفين و أربعمائة عام. 
والحكاية تقول: كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كو" وكان غنيا جدا، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعى "هيانغ" وكان فقيرا جدا. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنيا؟! فقال له "بممارستي السرقة. فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسرا ثم أصبحت من الأعيان، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذا على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض، فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كو" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوما شديدا، فسأله "كو"، وقد عقدت الدهشة لسانه:كيف تصرفت؟ وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كو": لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة،فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الاشياء قبل ان تصل الى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول الى اي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته انا للناس، ما قمت به انا سرقة عامة لا يعاقب عليها القانون، أما ما قمت به انت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من امثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصا. انتهت الحكاية واعتقد انها درس في السرقة، اكتشفه بعض مسؤولينا من دون ان يعرفوا من هو" لاتسو" ولا قرأوا " التاو" لأنهم لا يقرأون اصلا.. فمهمتهم الاساسية في الحياة هي التفنن في ممارسة السرقة والتي اصبحت في ايامنا هذه امرا طبيعيا مادام المسؤول لا يحاسب، وأقصى ما يتعرض له الإقالة مع حفظ حقوقه التقاعدية وما يترتب عليها من امتيازات، وزراء ومسؤولون سرقوا من مال البلد أكثر من ميزانيات دول الجوار مجتمعة وغادروا من غير أن يقتص منهم، فما الذي يمنع الآخرين من انتهاج هذا الطريق، واكل الفاسدون من اموال الناس ما لم تأكله شعوب إفريقيا مجتمعة، لأول مرة في تاريخ النظم السياسية نجد ساسة يغادرون البلد حال فشلهم في الحصول على منصب جديد، فما الذي يبقيهم وأموالهم وقصورهم ومشاريعهم في الخارج؟!. 
كم هي بسيطة هموم العراقيين أن يعرفوا مثلا، أين اختفت الميزانيات المليارية، وليس في العراق كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا ضمان اجتماعي وصحي ولا شوارع نظيفة.
المواطن يسأل لماذا تحول العراق من دولة تسعى للتنمية والرفاهية الاجتماعية إلى دولة فقيرة يحكمها لصوص؟ 
لماذا أصبحنا دولة يعيش ربع مواطنيها تحت خط الفقر في الوقت الذي ينافس فيه سياسيونا على قوائم أغنياء العالم؟ 
ماذا فعلت عجلة الساسة غير إنتاج الفقر للمواطنين والثروات السهلة للمسؤولين ومقربيهم؟ 
المواطن يسأل؛ لماذا سادت أعراف دولة الفساد التي حولت العراق من بلد غني إلى بلد يدير ثرواته موظفون ومسؤولون يعتبرون المال العام جزءا من ثرواتهم الشخصية. 
الناس تريد أن تعرف لماذا اصبحنا نعيش في ظل دولة تدور فيها عجلة السرقة وبامان، فيما تتعطل عجلة السياسة والضمير.