مابين مسبحة جدي ومسبحة عبعوب

جدي رحمه الله كان مختار لمدينته البسيطة  في العشرينيات من القرن الماضي , وكان يحظى بأحترام اهله واهل مدينته , كان يملك مسبحة بسيطة (101) لكي يُسبحٌ لله , هذه المسبحة تتناقلها الاجيال ويتنافسون عليها , مسبحة ليست من الكهرب ولا  هي من الحجر الثمين ولكنها لها رمزية ومحبة بقلوب جميع الابناء والاحفاد 

اما مسبحة نعيم عبعوب  , عندما سأله مقدم البرنامج عن هذه المسبحة وماهو تأريخها , قال انها هدية من زوجتي قيمتها خمسة ملايين دينار اي مايعادل اربعة الاف دولار امريكي وهي من الكهرب النادر , ولم يقول لنا من اين لها هذه الثروة  , وهو موظف حكومي بوظيفة  امين لعاصمة بغداد , بغداد التي تئن من وجعها ومن تعاستها , لاماء ولاكهرباء ولا امن ولا امان

مسبحة امين عاصمة بغداد قيمتها تعادل راتب سنة واحدة لمتقاعد قضى عمره بخدمة الشعب , هذا الراتب  السنوي المفروض ان يعيل اسرة , زوجة واولاد .

 لو كانت هذه المسبحة قد ورثها من اجداده لابأس , ولكن طالما انها من زوجته فهي جديدة وطالما قال ان قيمتها خمسة ملايين دينار عراقي يعني انه اشتراها في هذا الزمان الذي فيه الملايين تتقافز في جيوب المسؤولين , لان في الماضي من يمتلك مليون دينار يحتفل به , مثلما احتفل سعدون جابر بأول مليون دينار .

هل سيتناقل ابناء واحفاد عبعوب هذه المسبحة من جيل الى جيل  مثل ما فعلنا نحن بمسبحة جدي ,  وهل سيعتزون فيها ويتناقلوها من جيل الى جيل  , ام انهم سيضطرون على بيعها لانهم لايعرفون شيء عنها سوى قيمتها المادي .

تيمور لنك حينما  دمر بغداد , كان يرتدي حزام من الذهب المرصع بالجواهر , ذات يوم كان يتمشى مع خادمه فيروز , تيمور لنك سأل فيروز , قائلا  يافيروز كم هي قيمتي لديك  , قال فيروز  خمسة الاف دينار  قال له هذه قيمة حزامي الذهبي فقط , قال فيروز  نعم انك بلاقيمة بدون الحزام   .

مابين مسبحة جدي المختار  ومسبحة امين عاصمة بغداد قصص من الانهيار الخلقي في مجتمعنا العراقي , مابين  جدي  وامين العاصمة صراع طويل من اجل المبادئ الانسانية , ومابين ماضينا الجميل وحاضرنا البائس  نجد اموات ولكنهم احياء في قلوبنا ونجد احياء ولكنهم اموات يسيرون بيننا.