لقد دفع التنافس على المناصب من قبل الائتلافات السياسية، وكذلك في داخل الكتل نفسها، الى التسبب في جعل ولادة الحكومة الجديدة عملية عسيرة وشاقة، ذكرتنا بمأساة تشكيل الحكومة عام 2010 التي تواصل التنافس فيها قبل تشكيلها عدة اشهر؛ فأنتجت لنا حكومة متضخمة بائسة بلغ عدد وزرائها 34 وزيراً لترضية جميع «المتحاصصين» و بوزراء غير اكفاء، ونتج عن ذلك تكريس الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة، وغياب التنمية الحقيقية لاقتصاد البلاد، التي تنعش اوضاع العائلات العراقية وزادت معدلات الفقر و تفاقمت ازمة السكن و انهارت الخدمات العامة؛ وصولا الى الكارثة الكبرى في خروج مناطق شاسعة من البلاد من سيطرة الحكومة العراقية.
لقد اوحى شركاء العملية السياسية غير المتحابين للناس، اثر ابعاد رئيس الوزراء المنتهية وزارته نوري المالكي من الترشح لولاية ثالثة، انهم سيكونون «سمناً على عسل» وانهم سيبتعدون عن لغة التخوين والتهجم والشتائم، ولكنهم سرعان ما عادوا الى تلك اللغة مع اقتراب الموعد النهائي لتشكيل الحكومة؛ فجرى في وسائل الاعلام تخوين حرس حدود اقليم كردستان العراق «البيشمركة»، ورد مسؤولو البيشمركة بقسوة على من شكك بدورهم في مقاتلة تنظيم «داعش»، كما طالبت كل مجموعة ضمن كل ائتلاف بعدة وزارات، بل ان الامر انتقل من المحاصصة الطائفية والقومية الى التنافس بين المحافظات على توزير ابنائها، فطالبت محافظات بوزراء من سكانها وتصاعد سقف الوزارات من 20 كما اعلن في البداية حين جرى الحديث عن «الترشيق»، الى 24 وزارة، وتوقع بعض المراقبين ان يرتفع العدد الى اكثر من ذلك، وحاول وزراء معينون ـ وسعت لذلك ائتلافاتهم ـ البقاء في مناصبهم برغم الفشل الفاضح في الحكومة المنتهية ولايتها، وكأن العراق خلا من النزيهين والناجحين وان الساحة هي فقط لطلاب المناصب.
يبدو ان قادة الائتلافات والكتل السياسية التي تفاوضت لنيل الكراسي الوزارية، لم يتعلموا من الدرس الذي تسببت نتائجه في تلك النهاية الكارثية للوضع العراقي، التي تنبئ بمستقبل مظلم فيما لو تواصلت الاستهانة بمصالح غالبية العراقيين وهم عامة الشعب؛ الذين لم يذهب اكثر من نصف من يحق لهم التصويت منهم في احسن الاحوال الى الاقتراع.
لقد جرى في ظل الحكومة المنتهية ولايتها الاستهانة بكل أمل كان يعتمل في نفوس عامة العراقيين بتحسن احوالهم ورقي حياتهم، و جاءت الانباء التي تناقلها وكالات الانباء، التي اشارت لأكثر من مرة الى عقم مفاوضات تشكيل الحكومة ، والتنافس المحموم على المناصب، لتزيد الطين بلة ولتميت أي بارقة امل تبقت في نفوس العراقيين بتحسن احوالهم، اذ جرى الحديث عما يسمى بشروط اللحظة الاخيرة او اللجوء الى حكومة اغلبية سياسية، او تكليف شخصية اخرى بدلا من العبادي لتشكيل الحكومة؛ ما ادى الى خشية الناس من ان يعود الوضع الى نقطة الشروع مرة اخرى.. فهل سينتج لنا المخاض العسير ولادة مكتملة ام يزعزع آمال الجميع الذين سيخسرون برمتهم؟!
|