بخطط وضغوط إيرانية ... زئبقية مواقف مقتدى الصدر أساءت لثورة والده الشعبية وأنهت دوره المؤثر في الشارع العراقي

بغداد – ما يميز الأزمة السياسية في بلاد الرافدين اليوم ليس الصراع السياسي الشخصي بين نوري المالكي من جهة وأياد علاوي ومسعود البارزاني من جهة أخرى، بل تلك المواقف الزئبقية للتيار الصدري، والتي باتت عنوانا عريضا في الجدل الدائر حول تلك الأزمة.

فموقف الصدريين ومنذ أندلاع الأزمة السياسية، كان أكثر اندفاعا باتجاه سحب الثقة وتماهيا مع مطالب علاوي والبارزاني، ولكنه بدأ بالتراجع التدريجي وصولا الى مقولة "ان استجواب المالكي غير مفيد"، وأنه (التيار الصدري) لا يشارك في الاستجواب اذا حصل.

هذا الانتقال السريع بالموقف بعيدا عن توقعات الكثير من المتابعين يعود الى أسباب يلخصها المتابعون أنفسهم بنقاط ثلاث. الأولى: زئبقية مواقف التيار الصدري وافتقاره للحنكة السياسية. الثانية: الضغوط الإيرانية والمحلية على السيد مقتدى الصدر. والثالثة: الخوف من أن يفتح المالكي ملفات خاصة بعدد من أعضاء التيار يتعلق بعضها بقضايا جنائية كبيرة. وهذه النقاط تعززها تجارب سابقة بشأن اعلان المواقف الحادة التي يتخذها الصدريون ومن ثم الترجل عنها، تدريجيا أو بلمح البصر.

وقد تسببت هذه المواقف الزئبقية للتيار الصدري في تراجع شعبية التيار إلى درجة كبيرة، فصلاة الجمعة التي تقام في مسجد الكوفة وسائر المحافظات، التي بدأها السيد الشهيد محمد الصدر كمرتكز فعلي لثورته الشعبية ضد نظام صدام حسين والتي ساهمت بإسقاطه لاحقا، شهدت بسبب مواقف التيار الصدري تراجعا كبيرا في عدد المشاركين فيها، إلى درجة قد تنهي هذه الصلوات والغرض الذي اقيمت من أجله على يد الشهيد الثاني، وأنحسار الفكر الثوري الذي أطلقه السيد الشهيد محمد الصدر.

كما أن تراجع التيار عن موقفه الذي كان داعماً للعراقية والبارزاني لم يعد يشفع اليه كثيرا، حيث بدا الكثيرون في الشارع العراقي مشمئزين حيال المواقف القلقة التي دأب التيار على اتخاذها في المنعطفات البارزة. ومن هذه الزاوية يتوقع البعض أن يمنى التيار بهزيمة في الانتخابات المقبلة، ويوضحون انه "اذا ما كان التيار قد حصد 40 مقعداً في الانتخابات البرلمانية السابقة فإنه قد لا يقوى على حيازة أكثر من 15 في الانتخابات المقبلة.

ومع أن الأزمة ما زالت مفتوحة بين المالكي وخصومه فان موقف الأخير وأتباعه بات أكثر قوة بسبب حالة التصدع التي حصلت – فعليا – في جبهة مناوئيه، حيث ساهم التيار الصدري في تعزيز قوة المالكي من جهة وتصدع الجهة المعارضة له من جهة أخرى.

ويرى البعض أن الأصابع الإيرانية واضحة المعالم في النجاحات التي حققها المالكي في معركة سحب الثقة وفي سلسلة التراجعات الزئبقية للتيار الصدري، فالضغوط التي مارستها طهران على السيد مقتدى الصدر واضحة وليست سرا يذاع للمرة الأولى، وقد أعترف هو ذاته وكتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري بهذه الضغوط علانية عبر وسائل الإعلام.

ويشير مراقبون أن المالكي وبدعم من طهران مارس ضغطا كبيرا على التيار الصدري عندما نشرت وسائل الإعلام المقربة منه خبر الكشف عن المقبرة الجماعية في قناة الشرطة خلف السدة الشرقية لمدينة الثورة التي تسمى اليوم مدينة الصدر في العاصمة بغداد، وتضم 900 جثة لعراقيين من بينها جثث نساء. وفيها أيضا منتسبي دائرة البعثات التابعة  لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية الذي تم خطفهم من داخل دائرتهم في ساحة الاندلس في شهر تشرين الثاني عام 2006 اثناء الحرب الاهلية التي أججها المحتل الامريكي ومن معه من ساسة العراق.

الكشف عن هذه المقبرة جاء بعد أيام من تهديد نوري المالكي من أنه سيكشف جرائم ارتكبت من قبل مليشيات كان يغمز لها بسبب مواقف معينة حول سحب الثقة أو استجوابه في مجلس النواب، فكانت قرصة اذن للتيار الصدري الذي كان يسيطر على المنطقة وهناك الكثير من المؤشرات عن تورطه بتلك المقبرة الجماعية.

زعيم التيار الصدري وبعد الكشف عن هذه المقبرة الجماعية بيوم واحد فقط خرج عبر وسائل الإعلام ليقول أن الاستجواب وسحب الثقة عن المالكي في الوقت الحاضر قد يكون مضراً، عازياً ذلك إلى أن العملية السياسية لا تزال فتية.

وتقول مصادر من داخل العراقية ان قادة التحالف الكردستاني والكتلة العراقية الذين كانوا يتباهون بانضمام مقتدى الصدر ونوابه لهم للتخلص من المالكي، اجتمعوا في أربيل وبحثوا في الأجوبة عن الأسئلة المحيرة والدور الإيراني الذي جعل الصدر وتياره يندفعان للأمام بسرعة 300 كم في الساعة لتنحية المالكي، ثم يتوقف فجأة ليتراجع بالسرعة نفسها الى الخلف، مما جعل المالكي يصرح واثقا من نفسه بأن عملية سحب الثقة انتهت ولم يعد لها وجود، وأن "المؤامرة" أُحبطت، ولن يكون هناك استجواب. واذا اراد المعارضون له استجوابه فليشرعوا اولا باستجواب رئيس السلطة التشريعية على حد قوله، ويقصد رئيس البرلمان أسامة النجيفي الذي شن عليه المالكي هجوما قويا متهما اياه بتسخير البرلمان لمصالحه الشخصية.

وهكذا وبسبب مواقف التيار الصدري عادت الأزمة إلى مربعها الأول بعد ان اصبح استجواب الحكومة مشروطا باستجواب رئيس البرلمان اولا وهذا يحصل للمرة الأولى.