يقظة متأخرة في كل المقاييس

كتم الإحباط على صدور العراقيين وجثم ردحاً طويلا من الزمن، تارة مع قيادات دكتاتورية لعينة، وأخرى مع قيادات تفتقر إلى مقومات القيادة وفنونها، والنتيجة مسلسل الرعب الدامي المتواصل الذي لازم حياتنا لسنيين عديدة، وجعلنا بين شهيد وطريد ومعلق تقطعت به السبل ينتظر الرحمة من الذين لا رحمة في قلوبهم .

وهذا ما طرحته على الطاولة جريمة سبايكر، التي لم يشهد العالم لها مثيلا او قبولاً حتى عند عتاة ارباب السوابق الفاسقين، فكشفت الخلل الواضح في العلاقات العراقية العراقية أولا، ولامبالاة ذوي الشأن لما يحصل وفي كل المراحل المنصرمة ثانياً، والنتيجة استفحال الظواهر السلبية وتناميها في ظل اوضاع راكدة فقدت القدرة على الحركة، لافتقارها إلى ربابنة ماهرين يملكون قدرة توظيفها بالاتجاه الصائب والسليم .

أن مضي عقداً او عقوداً من الزمن، المضطرب فيها كل شيء، تركت آثارا سيئة لا يمكن تجاهل إفرازاتها في كل الاتجاهات الخطأ منها او الصحيح، وأن قَلّ الأصح فيما مضى، فالحديث عن الطائفية يخلق الطائفية ويعود بالإنسان القهقرى إلى ما قبل عهد الثقافة، والحديث عن الفساد ينشط الفساد، وعندما يكون ناطور السور غير أمينا فأنه سيفتح أبواباً للفساد وللغزاة الطامعين وما يترتب على ذلك من مفسدات، تعوق كل خطوة واعدة كان بالإمكان الاقدام عليها لتحقيق الاصلاح المطلوب في العراق .

ومع أن هنالك تيار دولي متضرر يحاول ان يجمع اطرافه وقوته ضد داعش، وهو ما يعد بمثابة يقظة، إلا أنها جاءت متأخرة كثيرا قياسا بما استطاعت داعش الحصول عليه من مكاسب خلال فترة الصمت الماضية، فحازت الاراضي الشاسعة، واستحوذت على مصادر البترول، وجمعت الأموال بالابتزاز، مع تحكم بمصادر المياه، ومدت جذورها كما يفعل الاخطبوط مستفيدة من تخبط مناجزيها وجشعهم وطمعهم .

لو تأملنا التهديد والوعيد الأمريكي لوجدناه قد أخذ طابع الجدية المعلنة على خلفية ذبح صحفيين من بلاد العم سام، مما ألهب الشارع الأمريكي، وجعل مركز القرار الأمريكي عاجزاً عن الاستمرار في مناوراته التي مارسها مع العراق ( الذي يرتبط معه بمعاهده أمنية) أكثر من ذلك، فكثف من طلعاته وضرباته الجوية، وأوقف ذلك تقدم داعش ورفع من معنويات الكثير من المقاتلين من الجيش والبيشمركة .

ليس خافياً على أحد أن أمريكا دخلت العراق بالرغم من أنف من شاء ولم يشأ، وغيرت عنوانها من محرر إلى محتل، بعد أن وجدت الساحة العراقية خالية من مؤيدين لأولئك الذين كانت تلتقي بهم في مؤتمرات الخارج وغيرها، على اساس انهم الاكثر شعبية وقوة فوجدت انهم الأوهن والأضعف من تولي هذا الأمر .

مما جعلها (الولايات المتحدة) تنظر بعين الشك لكل من رسم لها صورة بعيدة عن الواقع على الساحة العراقية، التي أثر الفساد في كل مفاصل الحياة فيها وحول الكثير من الساسة العراقيين إلى مجرد طلاب منفعة، وسماسرة أرباح حتى ولو كانت من تجارة قذرة .

أن ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم وأن كان يلقى ترحيباً من الشعب العراقي، إلا أنه يدخل ضمن عملية التكفير عن الذنوب التي تسعى الولايات المتحدة لنيلها عن أخطائها الكثيرة والمتكررة في العراق، ولكنها يقظة افضل من اللا يقظة أو اللا شيء .