عندي من الإعتراضات و الإنتقادات و الإشكاليات على وزير الخارجية العراقي الجديد إبراهيم الجعفري ما أستطيع ملء گواني منه . و عندي يقين ، بأن حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي الجديدة تخلو من الكفاءات كما يعرف العالم و يُعرِّف كلمة " كفاءات " ، و لكن هل يُعدُّ انتقاد العديد من العراقيين لوزير خارجيتهم الجديد ، لأنه لا يجيد الإنگليزية حسب ادعائهم ، أمراً منطقياً ؟ ربما كانت لغة الدكتور إبراهيم الجعفري أدبية و فلسفية و فكرية و بلاغية و ليست دپلوماسية . نعم . هذه نقطة جوهرية عليه معالجتها . وربما كان معتاداً على الإسهاب و الإطالة و الإطناب ، و هو خطاب منتديات و مقاهٍ أدبية لا يتناسب و إيجاز الخطاب الرسمي ، خاصة ً بين الدول . لكن من قال إن على وزير الخارجية في أية دولة ، أن يجيد لغة دولة أخرى ، حتى لو كانت منتشرة عالمياً ، أو اللغة الأولى عالمياً بحكم الأمر الواقع و الإحتلال القديم . هذا ، على فرض أن الجعفري لا " يجيد " الإنگليزية ، كما يزعم الزاعمون . عندنا الآن ، في العالم ، عشرات وزراء الخارجية ، ممن لا يجيدون الإنگليزية ، أو يجيدونها و يرفضون التحدّث بها بدلاً من لغتهم القومية . فهذا وزير الخارجية الروسي سيرگي لاڤروڤ ، الذي لم أره يوماً يحيي نظراءه الأجانب حتى بمجرد " هلو " أو " هاي " ، و مع ذلك ، فهو من أنجح وزراء الخارجية في التاريخ المعاصر ، تحاوراً و نقاشاً و تفاوضاً و تباحثا . و ذلك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ، الذي و إن كان يجيد الإنگليزية حسب ما أعتقد ، لكنه يرفض التحدث بغير الفرنسية في أي اجتماع ( و هو تقليد فرنسي شبه مقدس ) . و هؤلاء و أولئك ، الصينيون و اليابانيون و اللاتينيون و غيرهم ، ممن يعتقدون أن على الآخر أن يحضر مترجمه معه ليفهمهم ، كما يحضرون هم مترجميهم معهم ، و ليست مشكلتهم ألّا يفهم جون كيري أو فيليپ هامند لغتهم . ليس شرطاً أن يتحدث وزير الخارجية لغة الآخرين . و ليس نصاً مقدساً أن يحسن وزير الخارجية لغة الإنگلو- سكسون . و لا بد من أن يكون الجعفري ممن يقرأ و يكتب و يتحدث و يفهم باختصار باللغة الإنگليزية ، فهو طبيب ، و هو مثقف ، و هو بريطاني الجنسية أيضاً ، لكن لغة الحياة اليومية غير لغة السياسة و الدپلوماسية ، و رفضه التحدث بلغة أخرى سوى لغته الوطنية مدعاة احترام له لا مدعاة تشنيع و قدح و ذم . لقد كبر في عيني ذات يوم ، الرئيس العراقي السابق مام جلال طالباني ( شفاه الله ) عندما رفض طلب صحفي أجنبي وجه إليه سؤالاً خلال مؤتمر صحفي أن يجيبه بالإنگليزية التي يجيدها قائلاً : لماذا يتوجب عليّ أن أجيبك بغير لغة بلادي الرسمية ؟ كلا ، سأجيبك بالعربية و لتستعن بمترجم ! كنت و ما أزال ، أنا الذي أفهم - على الأقل - لغة الحياة بعدة لغات تصل إلى الخمس ، أرثي حال مسؤولي العالم الثالث الذين يتفاخرون بإجادتهم لغة الإنگليز ، و هم عاجزون عن تركيب جمل مفهومة بلغاتهم الأم . و لا شك أن الجعفري ، المتمكن في لغته ، نحواً و صرفاً و بلاغة ً و فكرا ، أفضل من العديد من نظرائه ؛ الخليجيين مثالاً ! و لو اقتصرت الكفاءة على إجادة الإنگليزية ، لكان وزيرنا السابق و نائب رئيس وزرائنا الحالي هوشيار زيباري أبو جاسملر زمانه في ترتيب أوضاع السفارات و تمتين العلاقات مع الدول ، و لما تظاهر دپلوماسيونا في لندن و اسكندناڤيا رافعين علم إسرائيل ، احتفالاً بهزيمة قواتنا المسلحة على يد داعش . و لما هاجمنا الأعراب في مؤتمراتهم بحضوره الضخم ، عيني عينك !
|