درس من الضلوعية!!

الذي لايعرف قضاء الضلوعية نقول له ، انها مدنية جميلة تقع على مسافة 80 كم شمال بغداد و هي شبه جزيرة معروفة بخصوبة أرضها و تجانس نسيجها الاجتماعي مع كفاءات علمية تتميز فيها على غيرها من مناطق صلاح الدين، وأكتسبت شهرة تاريخية في رفض أنواع التطرف و الغلو في الأفكار و السلوكيات، و بما وضعها في مواجهة ساخنة ضد المسلحين منذ سنوات، لتنجح في أهم فصول التحدي عندما أحبطت مخططا خطيرا لاخراجها من سلم الدولة العراقية منذ أكثر من شهرين.

لم يفكر ابناء عشيرة الجبور في قضاء الضلوعية بمزاج طائفي عندما تناخوا لحماية أمن و سيادة مدينتهم، كما لم يستمعوا لتحذيرات عن استفادة الحكومة أو توظيفها القتال "السني السني"، لتحقيق غايات و أهداف خارج الأهتمام بهيبة الدولة، مثلما لم يشعر الطيبون من أهل المدينة بالخوف من المجهول و قلة التجهيزات لأنهم تحصنوا بارادة الأنتصار لحفظ كرامة الأهل و العشيرة و بما يؤسس لسيادة على الأرض تحت راية الله أكبر.

لم يكن الثمن بسيطا فقد روت دماء الأبطال أرض الضلوعية في مواجهات يخاف منها الموت، عبر التحام مباشربخبرة ميدان مكتسبة من تاريخ الخدمة في الصنوف المختلفة للجيش و الشرطة، مقابل غدر يليق باصحابه عبر قصف بيوت المواطنين، لقد تحزم ابناء عشيرة الجبور بعزيمة الأباء و الأجداد و غيرة النساء وعدم خوف الأطفال، فالمعركة خيار لا بديل عنه لمنع القتل بالمزاج و العنجهية و فلسفة الفشل حتى في اختيار شكل العمالة و ثمنها البخيس.

انتصرت الضلوعية لأن سيادة العراق و أخوة شعبه كانت حاضرة في عقول و قلوب أبنائها، كما أن رفض التسلط الأعمى و التطرف المصطنع قد اصطدم بطيبة شعب تحولت الى دروع بشرية لا تنظر الى الخلف، معرفة منها بنتائج الهزيمة لا سامح الله، فأهل الضلوعية تعلموا من دروس التشدد و القتل الهمجي و مصادرة الحقوق على ايدي مزدوجي الوجوه و الأنتماءات وتعدد الولاءات غير العراقية، فالدين الصحيح لا يبيح القتل من أجل المال و النفوذ و كرامات الرجال ليست مباحة ، كما أن الذي لا يرحم شقيقه عدو لله قبل المجتمع، وهو ما يحدث في الضلوعية.

لا نختلف مع الناس على درجات التشدد في مواقفهم الدينية، فلكل فريق مشربه، مثلما لسنا في مجال تغيير القناعات، فتلك مهمة أخرى، لكن ما نود التأكيد عليه هو أن العراقيين عندما يمتحنون تستحي منهم الرجولة، و عندما يكتشفون الخطأ يتحولون الى طوفان بالمعاني الكبيرة ، ولأن ما حاول البعض اشاعته في الضلوعية تجاوز خطير لحدود الله في خلقه، فقد كان الجواب في مكانه الصحيح، لأن الزواحف الجديدة تريد أرضا بلا رجال و لا مباديء حقيقية، وهو منطق مغاير لمفاهيم ابناء الجبور من آهل الضلوعية، لذلك تميزوا على غيرهم في عدم الخوف و التنافس على الشهادة ليس من باب الرياء أو الفوز بالملذات لا سامح الله، فغالبية الشهداء و الجرحى من الشباب، كما ان الدولة ليست حاضرة حتى الساعات الأخيرة، انها مواجهة بين الغلو و العقلانية الوطنية ، بين تنفيذ ارادة الغريب على أبن الدار و بين الدفاع عن الشرف بالغالي و النفيس، بين الانصهار في بودقة الخوف و الطائفية و بين التباهي بالفضاء العراقي المتجانس، هي معركة وجود قال أبناء عشيرة الجبور كلمتهم الفصل فيها، وسيكون للتاريخ رأيا مشرفا فيها، فالبطولات يصنعها الشجعان بينما الهزائم من علامات الجبناء، الضلوعية تحدثت بصوت عراقي مسموع و الذين لم يصغوا اليه من ابناء العشائر خارج بيت الجبورسيعضون أصابع الندم لأنهم قراءوا الأمور بعيون مصابة بانحراف الخوف و الملذات الزائلة، سيشرق الصباح و يتبين الخبيث من الطيب عندها لا ينفع ندم السير مع الظلم ضد الحق بعقد تاريخية و مقامات شخصية أقصر من ظلها!!