دولة كريمة ... (القمسم الأول) |
(( اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاْسْلامَ وَ اَهْلَهُ، وَ تُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ ، وَ تَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَ الْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَ تَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَ الآْخِرَة. )) تـمـهـيـــــــــــد: أن يُعطى المرء سلطانا ومالا وكل مقومات الحياة والبقاء والعيش بكرامة ، فهذه غاية لا يدركها إلا ذو حظ عظيم ، إذ ليس من السهل أن تتوفر كل هذه المقومات لجماعة من البشر في مكان واحد وفي زمان واحد..! وهذه النعمة الكبرى لم تحظ بها إلا الأمة الشيعية في جنوب و وسط العراق على وجه الخصوص. الدولة الكريمة مفهوم متطور نادى به وسعى لأقامته الأئمة عليهم السلام وبأدوار مختلفة كما أكد على إقامتها والدعوة لها الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف منذ 1200 عام وناشدنا الأستمرار بالدعاء لها والأستعداد بالقول والفعل والتمهيد لإقامتها ، ونلاحظ هذا جليا في دعاء الأفتتاح أثناء ليالي شهر رمضان المبارك وهذا معناه أن إقامتها ممكنة وواقعة مؤكدة. ولهذا نؤكد أن مشروع هذه الدولة قد استمد أصالته وشرعيته من وحي هذا الدعاء المبارك وننطلق من إدراكنا وفهمنا أن الأمام عليه السلام قد طلب منا التمهيد والسعي لأقامة هذه الدولة الكريمة والمشاركة في بنائها ولو على جزء صغير من أرضنا الحبيبة ، وهذا ليس مستحيلا قطعا وليس خروجا على نواميس الطبيعة وليس كما يفهم أنها تتحقق وفق عالم المعجزات....! هذه الدولة الكريمة تسودها الشفافية والمثل العليا وتكفل لمواطنيها كرامة الدنيا بمعنى الحاجات المادية والعيش بسلام وتضمن لهم كرامة الآخرة وسعادتها الأبدية الخالدة ، كذلك فأنها ترقى بمواطنيها ليكونوا ليس دعاة ربانيين فقط بل ليكونوا قادة العالم أيضا...! تســـــاؤولات تـنـتــظـــــر إجــــابـة: السؤال الأهم هو لماذا علمنا الأمام المهدي عليه السلام هذا الدعاء؟ هل طلب منا أن نردده في شهر رمضان دون استيعاب المفهوم وتحقيق مصداقه؟ هل أقامة هذه الدولة حالة مستحيلة؟ واذا كان هذا الهدف يستحيل تحقيقه فلماذا الألحاح في طلبه؟ والسؤال المهم هنا اذا كان الأنسان قد استطاع أقامة دولة حقق فيها ضمانا إجتماعيا وعدلا نسبيا ومساواة نسبية وحرية وسماها دولة الرفاهية وأغلب البشر ينظرون إليها بعين الرضا ويسعون الى نقلها من دولة الى أخرى ، أليس من الأولى بنا السعي لإقامة الدولة الكريمة التي هي أرقى من دولة الرفاهية؟ أليست الظروف الحالية في موطن الأمة الشيعية التي قد يصل تعدادها الى عشرين مليون في العراق متاحة لإقامتها ؟ هل إقامة الدولة الكريمة من مهمة أتباع أهل البيت؟ أليست هذه فرصة ذهبية لم تتوفر منذ إغتيال الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام؟ تساؤلاتنا هذه موجهة الى كافة قيادات شيعة العراق وعلى كل المستويات وتحديدا أولئك الذين يسهمون بشكل كبير في صناعة القرار السياسي ولهم دور في اتخاذ القرارات المصيرية ، والى علمائهم ومفكريهم ومثقفيهم ونسائهم ورجالهم ، نقول لكم ونناشدكم الله ورسوله ونتوسل إليكم إلا ما نبذتم الخلافات والمواقف التي لاتليق بكم كقادة ونتوجه إليكم بالسؤال أيضا: ماذا ينقصكم اليوم؟ جميعكم بيده مقاليد السلطة والمال والجاه وصنع القرار.. جميعكم يتصدر الصفوف.. جميعكم عقلاء ومن ذوي الشأن وعلية القوم.. فلماذا هذا التناحر والتباغض والتباعد؟ هل تعلمون أن هذه الأرض من أغنى بقاع العالم؟ ألا ترون أن هذه الثروات الهائلة وجميع المقومات المتاحة أودعها الله في أرضنا لتكون عماد هذه الدولة الكريمة التي يحقق فيها الأنسان كرامته وينعم فيها بالعيش الرغيد وبذلك نقدم نموذجا لباقي مكونات الشعب العراقي وباقي شعوب العالم كي يلتحقوا بنا ويتخذوا منا مثلا وقدوة حسنة؟ ألا تعتقدون أن أبناء هذه الأرض الطيبة هم من يؤسس لهذه الدولة الكريمة؟ هل تعلمون أن الذي يمتلك هذه الثروات يستطيع التحكم بمصير العالم وليس العراق وحده؟ كلكم شيعة أثني عشرية تؤمنون بملكية الأمام عليه السلام لهذه الثروة وأنه إنما أجاز لشيعته فقط كي يتصرفوا بها فلماذا تسلمون نصفها إلى أعدائنا بحجة الشراكة الوطنية التي لم نعثر عليها في موارد صرف سهم الامام؟ ألا تدركون حجم الخطر المحيط بنا؟ ألا تعلمون أن هذه الحقيقة يدركها أعدائكم ويسعون للسيطرة على ثرواتكم وسرقتها وتسخيرها لتدميركم؟ كل هذه التساؤلات مشروعة لكن إجاباتكم عليها متلعثمة ومحرجة..! ولذا نعتقد جازمين إنكم تواجهون ثلاث خيارات مصيرية: الأول: إما أن تتوحدوا في مشروع واحد يحفظ دماء شيعة العراق ويصون كرامتهم و ثرواتهم ويرفع شأنهم بين الأمم وهو إقامة مشروع الدولة الشيعية الكريمة. الثاني: البقاء على هذه الحال متفرقين يتخطفكم الناس من حولكم وهذا يعجل من نفاذ صبر الأمة حيث ( لم يبق في القوس منزع ) وعليه فهي تسعى للبحث عن قيادات جديدة وهذا بدوره يؤدي الى إلغائكم ونهايتكم من المشهد السياسي. الثالث: بقائكم متفرقين يشجع أعدائكم على النيل منكم والتطاول على مقامكم والأسراع في الأجهاز علىيكم من خلال حرب قذرة قد استعدوا وخططوا لها وسوف تخسرونها بسبب فرقتكم وتخاذلكم. أذن لا مناص من الخيار الأول فهو الأنفع والأجدى خيرا لكم ولأمتكم لأن فيه العزة والكرامة ورضا الله سبحانه وتعالى وهذا هو الفوز العظيم.. أما اذا كنتم تخشون الأتهام بأنكم تسعون لتقسيم العراق فهذا اتهام موجه للجميع وليس لكم فقط..! وهذا إتهام لا تسألون عنه يوم القيامة..! فهو أهون من أن تكونوا سببا في إراقة دماء الشيعة ونهب ثرواتهم وزوالهم وإختفائهم. ماهية الــدولـــة الــكـريـمـــــة: تعتبر الدولة بمفهومها العام أرقى ما وصل إليه الأنسان في تنظيم وإدارة المجتمع ، وإن اختلفت أشكال الدول لكن أركانها الثلاثة ثابتة فالأرض والشعب والحكومة أساس تشيدها وبقائها ، والذي يهمنا في هذا الأمر هو مفهوم الدولة الكريمة الذي يقترب منه ما توصلت إليه شعوب الغرب بعد عناء شديد وتجارب مريرة ونقصد به ما يطلق عليه اليوم بدولة الرفاهية (Welfare State) والذي حقق قدرا لايستهان به من الرفاهية والعيش الكريم ، ومن المعروف أن كثير من الدول الغربية تطبق مفهوم دولة الرفاهية بأساليب مختلفة وما يشتركون فيه هو تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص والضمان الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات وحرية الأفراد. وبالفعل استطاعت هذه الدول من تخفيض معدلات الفقر الى 5% كما في السويد على سبيل المثال ، لكنها تجاهلت حاجات الانسان الروحية مما تسبب في ارتفاع نسبة الظواهرالأجتماعية السلبية وبعض السلبيات في الحكم والأدارة ، بينما سبقهم الأمام المهدي المنتظر عليه السلام في الدعوة الى إقامة دولة أرقى أطلق عليها الدولة الكريمه قبل 1200 عام كما ذكرنا..! وهذا مما يشجعنا ويمنحنا أملا في السعي لتحقيق هذا الهدف ولا يتصور أحدا أن هذا يشكل مانعا أو عائقا يحول دون الوصول الى ذلك وبناء عليه فأن هذا لا يمنع أن يستمد الأنسان المؤمن العاقل الحكيم مشروعية حركته هذه من دعوة الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ونظرته السليمة للحياة ونظامها فيزداد ايمانا بمشروعية عمله ويسعى ويمهد لأقامة دولة أساسها كرامة الأنسان وصيانة كيانه عن الأنحراف والسقوط في مهاوي الرذيلة وعوادي الزمن من خلال استثمار الثروات بشكل صحيح وتوزيعها بشكل عادل ليعم الخير ويسود السلام في دولة يتساوى فيها الجميع ويأمن فيها الجميع ويعمل فيها الجميع من أجل كرامة الأنسان في الدنيا وسعادته في الآخرة.. يعيش الحرية بمعناها الحقيقي فلا يقبل الظلم ولا يظلم أحدا... دولة كريمة يعني انسانها كريم ذكرا كان أم أنثى صغيرا كان أم كبيرا جميعهم أقوياء ، فالمرأة فيها مؤمنة متعلمة عزيزة كريمة تشعر بالأمان والقوة لأنها تستند الى ركن رشيد في كل وقت ، فتركب من الكوفة الى البصرة دون أن تخشى من ينتهك حرمتها... دولة كريمة يعني انسانها مؤمن بربه قوي بالعلم يشارك متفاعلا في بناء الحضارة الأنسانية ينهض صباحا يمنح علمه وعطائه لجميع البشر دون استثناء ويعود الى منزله فخورا بما قدم من نتاج.. دولة كريمة يستأصل فيها الفقر والمرض وثقافة الخنوع والذل والجبن ليعود الأنسان عزيزا كريما كما أراد الله تعالى له ذلك ، دولة كريمة أن يهزم فيها النفاق ويذل فيها الجبابرة فلا مكان للأفاكين فيها ولا مناصب للأشرار على عروشها. دولة يتم انتخاب قادتها ممن عصى هواه وأطاع مولاه فيقيسوا أنفسهم بأضعف ناخبيهم ويعينهم مواطنيهم بورع واجتهاد وعفة وسداد....! جميعنا معجب بأنظمة سياسية ودول قائمة على الأرض شيدها أهلها ووضعوا قانونها لأنهم أخلصوا في سعيهم ليضمنوا فيها قدرا كبيرا من كرامتهم حيث تعاهد حكماء القوم على منع الفساد وحماية الأمن ونشر مبادئ والمساواة والعدالة النسبية ولذلك انطلق الأنسان فيها الى الأبداع والتطور وشارك في بناء الحضارة الأنسانية بكل ما أوتي من قوة ، ومن هنا فنحن وبما نمتلك من إمكانيات وثروات هائلة وطاقات بشرية كبيرة أولى بالتمهيد لتأسيس هذه الدولة الكريمة في جنوب الخير أرض الأمة الشيعية المباركة.
يرجى متابعة القسم الثاني |