مصر لم تركع فما بالها ركعت؟

على مدى تاريخها الطويل، لم تخضع مصر ولم تركع، فقد كانت على الدوام في ذرى الكبرياء الشموخ، وفي طليعة العرب في التقدم والتحرر... كان لمصر صوت مدوي يسمعه القاصي والداني، وكان لها مواقف حازمة يُحسب لها ألف حساب على الساحتين الدولية والعربية... وحتى حينما وضع السادات يده بيد اسرائيل لينهي حقبة طويلة من الصراع الآيديولوجي والعسكري بين العرب والصهاينة، فإن مصر كان لها دور بالغ التأثير على المنطقة، وكانت الحكومات العربية الخادعة لشعوبها بمعاداة مصر (على إثر ذلك السلام او الاستسلام) تتواصل معها من وراء الكواليس.
لم يرُقْ هذا الحال لأعداء مصر، ففكروا ودبروا، ثم حسموا أمرهم بإذلال مصر واخضاعها وتدنيس كرامتها وتهميش دورها... فكان ربيع مصر العربي ثم جاء خريفها بانقلاب عسكري... واكتملت فصول المسرحية بزيارة السيسي إلى السعودية... 
أشيع في الاعلام أن هذه الزيارة هي لأجل تنقية الأجواء بين مصر والسعودية بعد تاريخ طويل من النزاع السياسي بين الدولتين على خلفية استقلال مصر وتبعية السعودية، وهو ما صرَّح به الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في خطاب متلفز انتشر مؤخراً على صفحات التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، يحمل فيه عبد الناصر على ملك السعودية آنذاك ويصفه بالعمالة ويوجه له الإهانة بل يسبه ويشتمه لمواقفه المشينة من العرب...
هل نسي الملك عبد الله فعلاً ذلك التاريخ وقرر ان يطوي صفحة الماضي ليفتح مع مصر-السيسي صفحة جديدة؟ جواب هذا السؤال ليس لغزاً، فبعد أن خرجت مصر من ربيعها وخريفها مكبلة بالديون، وأصبحت على حافة الانهيار الاقتصادي الشامل، بدا أن أنجع الحلول في مثل هذه الأزمة أن يذعن الزعيم المزهو بالنصر العظيم، ويتنازل عن كبرياء مصر لصالح ديمومة الانقلاب الذي قاده إلى سدة الحكم. وهاهنا سؤال مطروح هو كالإشكال: هل ضحى السيسي بعزة مصر من أجل مصر نفسها - كما فعل السادات من قبل- أم أن السيسي قد ضحّى بعزة مصر من أجل الكرسي؟ نعم، لم يكن يُنتظر من مصر أن تخرج من أزمتها الخانقة هذه إلا بتغيير بعض مواقفها القديمة، ولكن حُسن السياسة الذي يقع على عاتق المتصدين للرئاسة كفيل بتجاوز الأزمة مهما كانت قاسية، وما تم أخيراً من مصالحة بين مصر والسعودية لا يعكس حسن سياسة ولا قوة تدبير ولا كياسة.
لقد انقادت مصر لسياسة السيسي غير السياسي فحملها على أن تخضع، وهرول هو مسرعاً إلى ملكها المتشبث بالحياة فدبر له الملك مكيدة حتى يركع، وقد ركع السيسي فعلاً للملك المتمارض، فبذريعة ضعف القدرة على النهوض شاء الملك أن يقلّد السيسي وساماً من موقعه على العرش، فيما اندفع الأخير راكعاُ، ماداً عنقه ليطوقه الملك بذلك الوسام الذي ما أشبهه بالغل .