نبذة عن حضارة العراق |
هل حقيقة الحضارة في العراق هي حلم الطبيعة ام انها ارادة الانسان؟ الواقع ان الحضارة هي صنيعة عناصر وظروف موضوعية تقدم الطبيعة اساسياتها ويحوّل الانسان تلك الاساسيات من حالتها السلبية الى حالة ايجابية (حضارة) ...
هكذا تبدو حضارة العراق فالارض والماء والمناخ ليست حالة خاصة بالعراق انما حالة عامة طبيعية, وهي عناصر تعمل وتؤثر بشكل مستقل لكن الانسان الذي فرض عليها التوازن وخلق من توازنها قاعدة للعمل الحضاري, فحضارة العراق اذن ليست حلم الطبيعة بقدر ما هي ارادة الانسان.
خاصة وان التاريخ يؤيد فكرة الدور الفعال لسكان هذه الارض وهو محصلة ارادة الانسان الذي ذاب واندمج في عناصر الكون الممتد امامه فأصبح يبدع ويبتكر حاجات في الحياة والارتياد,
غير ان هذا الانسان بقدر ما بقدر ما بذل من جهد في مواكبة الكون الواسع بقدر ما كان واقعياً يدرك قيمة الحركة على الارض فهو على وعي تام ان بين عظمته وبين الكون انجذاب فلم يستطع إلا ان يفكر به وينطلق عبر سعيه ان يتوصل الى ذلك التوازن الرائع بين حاجته على الارض وبين ضرورات السماء في انجذابه الروحي ومن هنا بدأت فكرة الاعتقاد بالروحانيات والتدين تأخذ مجراها بين سكان الاقليم عامة.
اضافة الى ذلك يظهر لدينا عنصر اخر لا يقل اهمية في تأصيل الحضارة وهو قدرة سكان وادي الرافدين على التكتل والاندماج في جماعات منتظمة وبالتالي رضا الفرد بالعمل الجماعي مع الاحتفاظ بحقه في الابداع الفردي بعدما ادرك ان الاعمال الكبيرة ليست من قدرة الفرد انما من اختصاص الجماعات.
من هنا ساعد نجاح الفرد العراقي في احكام التوازن بين حريته الفردية في الابداع وبين ضرورة العيش في جماعات على تطوير نظرته الى الاخرين, هذا الاحساس بالمسؤولية الانسانية هو الذي اعطى حضارة العراق مزية الانتشار تأثيراً دون ان تغرق في نشوة الازدهار وتخفي تأثيرها بحضارات الشعوب فقيمة الحضارة ليست في قيمتها الجمالية والابداعية حسب انما في قدرتها على التأثير والتوالد,
فصناع هذه الحضارة كانوا شديدي الاهتمام بتحقيق انتصار تاريخي دائم يعبر عنه في استمرار الدور اكثر من ان يعبر عنه بالتفوق العرقي, فالاحساس بأن تكون صاحب رسالة عبر التاريخ اكبر بكثير من ان تكون سيداً مضطهداً لفترة قصيرة , وبالتالي اكتسب هذا الاقليم ثابتية تاريخية مطلقة في كل العصور.
|