لعنة " سوف " |
إذا أرادت حكومة السيد العبادي النجاح في مهمتها العسيرة في إعادة الأمان ونشر الرخاء في البلاد فأنا اقترح عليها أن تبدأ بخطوة مهمة تتمثل برفع وشطب كلمة " سوف " من قاموسها السياسي وبرنامجها الحكومي فقد ساهمت هذه الكلمة في نسف الحكومات السابقة ولن تستثني حكومة العبادي من هذا التهديد بالنسف فهذه الكلمة المراوغة سبق لها وان أغرت السيد المالكي بضرورة إدارة الوزارات الأمنية بالوكالة بشكل مؤقت إلى حين تقديم الكتل السياسية لشخصيات تحضى بمقبولية ونجحت " سوف " في أن تقنعنا لمدة أربعة أعوام بضرورة الإدارة بالوكالة لأهم المفاصل الأمنية فقد نجحت " سوف " في أن تحتضن في كابينتها " الوكالية " إدارة جهاز المخابرات والأمن الوطني بالإضافة إلى وزارتي الدفاع والداخلية لا بل إنها مثلت المنقذ في الأزمات فكلما انسحبت كتلة سياسية من الحكومة انبرت " سوف " لتقدم الوصفة السحرية لإدارة وزاراتها بالوكالة وأخشى أن تمتد " العدوى المغرية " إلى حكومة السيد العبادي فقد حضرت " سوف " لتقدم أوراق اعتمادها لدى رئيس الوزراء وقدمت له خدماتها من جديد بضرورة إدارة وزارتي الدفاع والداخلية بالوكالة مؤقتاً وأكاد أراها " سوف " وهي تغمزه وتعض شفاهها على الطريقة العراقية المعروفة في فن الاستغفال وهي تقول له " مؤقتاً مؤقتاً " على الرغم من أني أسجل لرئيس الوزراء إن " سوف " هذه لم تخدعه في ضرورة وضع صوره في السيطرات ونقاط التفتيش والدوائر الحكومية وواجهها بعدم الإقرار والانصياع لها بل والاستغناء عن الألقاب العثمانية المتوارثة والمتمثلة بـ " سعادة ودولة وفخامة ... " في الوقت الذي تتبادل محن التهجير والفقر والبطالة وفقدان الأمن دولة السيد المواطن ، وللأمانة فأن سوف تحمل صفات الحرباء في القدرة على التلون مع محيطها بحيث تبدو وكأنها جزء من واقعها فهي نافعة في الوعود طويلة الأمد ومخدرة بصورة فعالة في الوعود الخانقة التي لا تحتمل التأجيل والتسويف ولعلنا نتذكر كيف نجحت " سوف " في إنقاذ حكومة السيد المالكي أبآن أزمة حجب الثقة الجماهيرية حين ظهرت على الجماهير العراقية الغاضبة وهي تلبس ثوب مهلة المائة يوم فنفذت ما هو مطلوب منها والأغرب من ذلك إن الحكومة مرّت عليها ألف ليلة وليلة دون أن تستيقظ على صياح ديكة البطالة بعد أن غطت في سباتها العميق . يحكى أن رجلاً قدم إلى الخليفة أبي جعفر المنصور متهماً بالزندقة فلما سأله المنصور عن رده على التهمة قال الرجل انا لست زنديقاً بل انا املك نوعاً خاصاً من القدرات دفع بالحاسدين إلى اتهامي فطالبه الخليفة بالدليل فقال له الرجل على سبيل المثال انه بإمكاني أن اجعل حصانك يطير شريطة أن يتوفر نوع من العلف أجلّك الله مع مرور أربعة أعوام سيطير بأذن الله فقال له المنصور لك ذلك ، فلما خرج الرجل أنبّه صاحبه فقال كيف توّرط نفسك بهذا الأمر وأنت تعلم أن ذلك الأمر محال فقال الرجل نعم اعلم انه لن يطير لكني أخذت مهلة الأربعة أعوام ولعل خلالها يموت الخليفة أو يموت الحصان أو ربما أموت انا أليس هذا الحال أفضل من أن يعمد إلى قتلي الآن وهنا استحضر الرجل إمكانات سوف وقدرتها على الخداع . يذكران " سوف " لها سوق رائجة خاصة أيام الانتخابات وتكاد تكون العمود الفقري للدعايات الانتخابية وتتوهج على شاشات الفضائيات وإخبار الصحف والملصقات والإعلانات بل وتمتد لعنتها إلى غزو الأفكار المتطرفة بالوعود الفضفاضة من الفتاوى التكفيرية بالجنان والخلود والعشاء مع الرسول حتى لو كان بعض الناس يمارسون حمية تمنعهم من تناول وجبة العشاء وكذلك الوعود بالزواج من الحور العين حتى إن احد المتعجلين الرافضين لنظريات " سوف " حينما حدثوه عن الحور العين قال انا لا أطيق الانتظار وأريد العور الحين ، ومن إغراءات الإدمان على تعاطي " سوف " أنها تمنح صاحبها قدراً كبيراً من السعادة الافتراضية أو سعادة الوهم في أن الأمور ستكون على ما يرام والخشية كل الخشية من الذهاب بعيداً في الأوهام اللذيذة التي سرعان ما تصطدم بالواقع المرير ولنا أن نتذكر قول الشاعر العربي : فإذا سكرتُ فأنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فأنني رب الشويهةِ والبعير وقانا الله واياكم لعنة " سوف " ومصير المسّوفين . |