شفط شحوم الحكومة

المنطقة  العربية ربما تكون الوحيدة في العالم ،  التي تتميز بضخامة وكبر كروش  المسؤولين والسياسيين ، وحينما تستعرض الذاكرة الأسماء يحتاج المرء الى" صفنة بوزن عشرة طن"  لتقدير الاوزان وهي كالعادة ليست بقدر الافعال ،  على الرغم مما يقال دائما بان صاحب  معالي الكرش الكبير مشغول برسم الخطط المستقبلية ،  لتطوير وزارته  وتنفيذ برنامجها التنموي والسياسي وبسقف زمني محدد.
كرش المسؤول كان واحدا من قضايا تصدى لها النظام السابق بإجراءات وأوامر القيام بالترشيق ، والخضوع لبرامج قاسية لإذابة الشحوم والتخلص من الوزن الزائد ،  للاحتفاظ بالمنصب  ،ووقتذاك  انشغل الجميع بالتخلص من الكروش للحصول على الانسجام التام بنسبة الوزن مع الطول  ، وشمل المسؤولين بدءا من الوزراء فضلا عن  وكلائهم والقادة العسكريين والحزبيين على اختلاف درجاتهم ، وكان بقية العراقيين يخضعون  لترشيق قسري فرضته قرارات الأمم المتحدة في زمن فرض العقوبات الاقتصادية فزاد الإقبال على تناول  الباذنجان  "وحش الطاوة" مع مفردات البطاقة التموينية كسرا للحصار الجائر،  وتعبيرا عن رفضهم  المخططات  الامبريالية .واصبح  تناول اللحوم الحمراء والبيضاء  أمنية مستحيلة، وبالترشيق القسري ، تم شفط الشحوم الشعبية  فيما ظلت الجهود متواصلة لشفط نظيراتها الرسمية ، باعتماد قرارات ثورية
وصدور اوامر  المشاركة في التدريب العسكري ، وإجادة الفنون القتالية  ليكون المسؤول صاحب الكرش على استعداد دائم لمواجهة المعتدين ، ويده على الزناد وفوهة بندقيته موجهة على الدوام نحو الجبهة الشرقية والشمالية ، ثم الجنوبية بعد غزو الكويت ، وبفضل الترشيق اصبح الشعب  فيالق مسلحة ، حتى تحول الزي العسكري الى دشاديش وبجامات للنوم ، بعد غياب قماش البازة وخام الشام نتيجة فرض العقوبات الاقتصادية بقرارات مجلس الامن.
في "العراق الجديد " وقبل تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي ارتفعت الأصوات المطالبة بترشيق الحكومة ، وجعلها  جذابة فاتنة ، غير مترهلة ، لكن  حساب التوافقات في تقاسم المناصب والمواقع  افشل عملية شفط الشحوم ، فضلا عن ذلك برز خلاف حتى داخل الكتلة النيابية الواحدة  لفشلها في الحصول على حقيبة ، في اقل تقدير لتحقيق الوجاهة ،  وبعض أعضائها اطلق تصريحات ندد فيها من تقصد بإجراء مساواة بين "الكرعة وام الشعر" في إشارة واضحة الى استحواذ الكبار على الحقائب ، وطرد الاخرين من شباك الكابينة الوزارية.
في بغداد انتشرت العشرات من مراكز الترشيق لرجال والنساء ، وبعضها داخل المنطقة الخضراء المحصنة ، والفضائيات تبث إعلانات عن وصول  أطباء  مختصين بشفط الشحوم والدهون  بأحدث  الأساليب والطرق ومن دون إجراء تداخل جراحي ، والظاهرة تعكس وجود رغبة شعبية واسعة في التخلص من  الوزن الزائد والحصول على قوام رشيق .
احدى النساء شجعت زوجها  للتخلص من كرشه ، ورافقته الى عيادة الدكتور المتخصص ، وما ان شاهد الطبيب كرش المراجع حتى أصيب بالصدمة، واخبر الرجل ان كرشه من عدة طوابق ويحتاج الى إجراء عملية جراحية في  الخارج، ففشلت محاولات  الزوجة في ترشيق ابو الجهال ، كما فشلت المطالبات بترشيق الحكومة .