لا أظنها رغبتي فقط بل هي رغبة الملايين، أعني أن يهدأ العراق وتستقر أنفاسه خلال الأشهر المقبلة وننتهي من قلق يطوّحنا ذات اليمين وذات الشمال. أما أسبابي فتتعدد بتعدد مآسي البلد ابتداءً من القتل وشيوع الموت مرورا بالفساد وتدني الخدمات وليس انتهاءً بخراب البنى التحتية. غير أن ثمة سببا آخر لأمنيتي هذه لا تتعلق بالعراق بالذات بل ببعض مواطنيه أو المحسوبين عليه ممن ينتظرون أي خبر سيئ حتى يلطموا من أجله ويصرخوا بكل ما يملكون من أصوات. أعني أولئك الذين لا تكاد تطالع الفضائيات والصحف حتى تراهم وكأنهم الوجه الآخر للخراب أو المرادف النفسي له. فهم مزعجون عموما ومثيرون للإحباط والخيبة. ساذجون في طروحاتهم وتعميميون في نظراتهم للأشياء. تراهم في انتظار أي خبر سيئ يتعلق بنا،. فإذا ما عثروا عليه "شرونه عل الحبل"، وعمموا الموضوع مصورين بلادهم وكأنها الدرك الأسفل في الانحطاط. يخرج استطلاع رأي أجنبي يفيد مثلا أن نساء العراق هن الأقل إثارة بين نساء العالم، فينبري أصحابنا متهكمين من نصف شعبهم إن لم نقل أكثر، قائلين عن النسوة ما لم يقله مالك في الخمر، ولكن هذه المرة قدحا وذما لا مدحا وتغنيا كما يفترض. أما إذا تسربت صورة جواز الرئيس الفرنسي للصحافة بعد زيارته لبغداد، فمعنى ذلك ترويجهم أن بلدنا فاشل ومنخور من أساسه، أننا نعيش في دولة "سفرتحه" لا أبواب لها. قيل ذلك وأكثر لدرجة أن أحد الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي قارن بشكل خبيث بين بغداد وأربيل اللتين استقبلتا هولاند وقال ما معناه ـ انظروا كيف فُضح الرئيس الفرنسي ببغداد بينما فُرش له السجاد الأحمر بأربيل. أحد الصحفيين النابهين كتب بعد الفضيحة وما تبعها من "جنجرص" إعلامي أن حادثة شبيهة جرت في فرنسا نفسها حين زارها باراك أوباما، فقد استقبلته باريس بتسريب صورة جواز سفره للصحافة، ومع هذا لم يخرج كاتب ما ليعمم الفعل على الشعب الفرنسي كله أو يوصم عبره الدولة الفرنسية بأنها فاشلة. كل ما هناك أنهم اعتبروه فعلا فرديا مسيئا ويتوجب محاسبة من قام به وهو ما يجب أن يحدث في بغداد أيضا وبأسرع وقت ممكن. نعم، بلدنا خربان ومتعب ويتعرض منذ عشر سنوات لأقسى حرب تستهدف شعبه ودولته. كلنا نعرف هذا، لكن ذلك لا يعني استبشارنا بكل حادثة معيبة وتعميمها والتطبيل لها بتشفٍ وشماتة وكأننا على ثأر قديم مع بلدنا، لا يعني ذلك أن نتغنى بخرابه أو بمظاهر خرابه التي هي أجزاء من صورة عامة كبيرة لا يصح اختزالها بهذه الحادثة أو تلك. هؤلاء، في الواقع، هم الوجه الآخر للمآساة التي نعيشها، فهم ضيقو الأفق ويساهمون، بطريقة أو بأخرى، في تعميم الصورة الإعلامية المريعة عن العراق. إنهم لا يميزون بين الحكومة والدولة أولا ولا يضعون حدا فاصلا بين الناس والأحزاب السياسية ثانيا، الجميع عندهم كتلة واحدة اسمها العراق. والآن، ماذا لو أن بلادنا استقرت بين ليلة وضحاها وباتت مثل أي بلد آخر؟ ما الذي سيقوله هؤلاء حينها؟ ماذا سيكتبون؟ هل ستختفي ألسنتهم فجأة فنذكرهم بما كانوا يرددونه : ألم تقولوا كذا وكذا يا جماعة الخير؟ لهذا السبب بالذات قلت في البداية أن لدي مبررا آخر للأمنية، أمنية أن أرى العراق مستقرا سريعا، فعلى الأقل سيحرم هؤلاء من المادة الخبرية التي يحقّروننا عبرها. فتأملوا خيرا والله أرحم الراحمين.
|