أخيراً تشكلت حكومة السيد العبادي بعد مخاض وعناء كبيرين بين مطالب الكتل والأحزاب العراقية التي كانت في شكل من أشكالها تبدو وكأنها تعمد إلى تعطيل للعملية السياسية وبقاء العراق في حالة من الإرباك وعدم الإستقرار لغرض فرض أجندات تلك الأحزاب التي هي بالأصل أجندات عربية ودولية لأن تلك المطالب إن لم تكن مستحيلة التحقيق فهي ستكون صعبة ومعقدة وما زال مصير الحكومة الجديدة معلقاً على شماعة تحقيقها . تشكلت حكومة السيد العبادي وهي تحمل في طياتها كل بذور تفككها وعدم استمرارها فهي حكومة أبسط ما يقال عنها أنها حكومة ملغمة قد تنفجر بأي لحظة لأنها إذا كانت في شكلها الخارجي تبدو كأنها حكومة توافقية شاملة منحت الفرصة لأغلب المكونات والرموز والقيادات الحزبية للمشاركة بها فإنها بالمقابل رسخت الإعتراف الضمني بضرورة تحقيق ما قدم لدولة الرئيس من مطالب وشروط المشاركة ومن مكونات بارزة كانت على الدوام تشتكي من الإهمال والإقصاء طوال السنوات الماضية التي تلت التغيير في 2003 وكانت مشاكلها مع الحكومة المركزية سواءاً من الجانب الكوردي الذي يمثله التحالف الكوردستاني أو من من تحالف القوى العراقية الممثلة للمكون السني مشروطة بتحقيق نفس المطالب التي أصبحت مزمنة وسبب من أسباب تعطيل العملية السياسية فالتحالف الكوردستاني يمثل شريحة واسعة من المكون الكوردي بمحافظاته الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية ومطالبه كونه يتمتع بنظام حكم إقليمي ديمقراطي معترف به من المحيط الإقليمي والدولي كانت على الدوام ورقة ضغط على عمل الحكومة وديمومتها وفشلت الحكومتان اللتان شكلهما رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في حل أي من مطالب التحالف الكوردستاني وكانت العقبة التي تقف في طريق الحل هو كون هذه المطالب تقع تحت طائلة البنود الدستورية والتي لا يمكن لشخص مثل رئيس الوزراء أن يكون قادرا على حلها مثل الفقرة 140 من الدستور حول المناطق المتنازع عليها وقضايا تتعلق بأمور إنتاج وتصدير النفط في المناطق الكوردية أو المناطق المتنازع عليها والتي لايكون حلها من غير إصدار قانون النفط والغاز . أما تحالف القوى العراقية ( السنية ) فأنه ليس بأفضل من التحالف الكوردستاني حيث يرى نفسه وقد حشر بين نارين لا مفر منهما نار الإنصياع لأوامر الإدارة الأمريكية وتأجيل البت في موضوع المطالب ( الحقوق ) والمشاركة الفاعلة بالحكومة وبين نار مطالب المكون الذي أوصله لقبة البرلمان لتحقيق تلك المطالب والتي يأتي في مقدمتها الإعتراف بالإقليم السني الذي يضم محافظات البعض منها موضوع نزاع دائم مثل كركوك التي يطالب الأكراد بضمها لأقليم كوردستان وكذلك محافظة ديالى التي لايوجد تعداد سكاني يؤكد الأغلبية السكانية لأحد المكونات فيها حيث يقطنها لفيف من المكونات العراقية منها الشيعي والسني والكوردي والتركماني وكذلك الحال في بغداد بنسيجها الإجتماعي المتنوع وحدودها الواسعة مع المحافظات المحيطة بها والتي يعتبرها تحالف القوى العراقية من ضمن حدود الإقليم السني مضافاً لهذا المطلب مطالب أخرى سيكون جردها وتصنيفها عملية صعبة على رئيس الوزراء الجديد فكيف بتنفيذها مثل إلغاء قانون المسائلة والعدالة وإصدار قانون العفو العام وإقرار مبدأ المساوات في المؤسسات الأمنية والسياسية وكل هذه المطالب علقت مؤقتاً تحت التهديد والضغوط الأمريكية التي أصبحت اليوم ترى في داعش وقد تحول إلى خطر يهدد المصالح الإستراتيجية والأمن القومي الامريكي ولن يطول الزمن بعمر هذه الحكومة حتى تبدا بالظهور إلى العلن كل هذه المطالب حينها تبدا عمليات الإنسحابات من الحكومة والبرلمان وتعليق الحضور ولن تكون الإدارة الأمريكية وقتها بقادرة بممارسة الضغوط على تلك الأحزاب بسبب الوضع الإقليمي المعقد والذي له حصة كبيرة من التأثير بالقرار الأمريكي . لكن أمريكا تبقى طرف مهم بالمعادلة السياسية العراقية ومؤثر كبير بالداخل العراقي السياسي والأمني رغم انها تبدو للقريب من الأحداث وكأنها تغرد خارج السرب العراقي فإدارة الرئيس أوباما ومنذ العاشر من حزيران 2014 حين اجتاحت المجاميع المسلحة لداعش محافظة نينوى والمحافظات والمدن القريبة منها وقامت بتهجير الالاف من المكون المسيحي لم تحرك أي ساكن وظلت تنأى بنفسها بعيداً عما يجري بالعراق واقتصر موقفها على إرسال المستشارين لتقييم الأوضاع بالعراق وتقديم المشورة للرئيس أوباما بشأن اتخاذ الموقف المناسب واعتبرت الإدارة الامريكية ما يحدث بالعراق أزمة سياسية وأمنية بين الحكومة والمعارضين لها في المكون السني حيث أطلق أوباما أول تصريحاته حينها واتهم المكون السني على حد تعبيره بأنه ظل لسنوات طويلة غير متعاون مع الحكومة المركزية في بغداد وظلت الإدارة الامريكية تناور بمواقفها المتذبذبة لشهور من غير الإعلان عن أي سياسة واضحة بمايحدث في شمال العراق وغربه من معارك ضارية وشرسة بين القوات الحكومية والحشد الشعبي من جهة وبين تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى ورهنت مساعدتها للعراق على تشكيل حكومة جديدة تكون شاملة بتشكيلتها الوزارية لتضم كافة المكونات العراقية وبالتساوي وحتى بعد دخول روسيا وإيران على خط المواجهة حيث حاولت كلا الدولتين روسيا وهي تحاول أن تجد لها موضع قدم جديد بالمنطقة بعد تواجدها البارز في سوريا وكذلك إيران التي بدأت تتحسس بالخطر الإرهابي وهو يقترب من حدودها في محافظة ديالى وشمال العراق فدخلت بقوة من خلال دعم الحكومة العراقية بمواقف معلنة وكذلك حذرت من العواقب الوخيمة لأي تدخل عسكري لحل الازمة في العراق بعد إبداء تركيا نيتها التدخل لحماية المكون التركماني بالعراق وكذلك السلاح لكن ذلك لم يؤثر بموقف الإدارة الأمريكية إلا بعد أن أصبح التهديد العسكري لداعش يصل إلى مشارف إقليم كوردستان وأصبح خطره يهدد المصالح الأمريكية هناك حينها بدأت إدارة الرئيس أوباما بإعطاء الأوامر لسلاح الجو الأمريكي بشن غارات جوية على مراكز القيادة والتموين التابعة لتنظيم داعش والقريبة من حدود إقليم كوردستان من دون تقديم أي مساعدة عسكرية للجيش العراقي أو حتى تنفيذ بعض بنود الإتفاقية الأمنية والاستراتيجية الموقعة بين أمريكا والعراق في عام 2008 والتي تنص في بعض بنودها على تزويد الجيش العراقي بالسلاح والعتاد وكذلك تزويد القوة الجوية العراقية بالطائرات الحديثة المقاتلة وظلت الإدارة الأمريكية تماطل بتقديم المساعدة على شرط تشكيل الحكومة الجديدة ثم سبقت عملية تشكيل الحكومة ما طرحه الرئيس أوباما من مشروع ( إستراتيجية مواجهة داعش ) والذي يعتمد بالأساس على تشكيل تحالف ( عربي – دولي ) لمواجهة تنظيم داعش والقضاء عليه وكان المشروع في بدايته لم يتعدى الطروحات ووجهات النظر الفكرية بما يحدث بالعراق وسوريا حين كانت إدارة اوباما تعتقد أن بإمكانها لوحدها مواجهة داعش والقضاء عليه لوحدها وبعد أن تأكد لها أن ذلك سيكلفها الكثير حيث كانت تكلفة اليوم الواحد من الغارات الجوية يكلف الخزينة الامريكية 7500000 مليون دولار أمريكي أخذت إدارة أوباما تفكر بشكل جدي بضرورة مشاركة حلفائها معها في عملية محاربة داعش والقضاء عليه وبدأت تظهر للعلن أفكار حول شكل العمل الإستراتيجي الذي تحاول إدارة الرئيس أوباما تبنيه لمحاربة داعش بالعراق وسوريا وماهي ملامح هذه الإستراتيجية العالمية التي تنوي أمريكا اتباعها للقضاء على هذا التنظيم الذي يلقى دعماً مباشراً وحيوياً من بعض أصدقاء أمريكا بالخليج والمنطقة ولتحاشي أي إخفاق قد يواجه مشروعها هذا أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل بأن عملية القضاء على تنظيم داعش ستحتاج لزمن طويل قد يستغرق السنوات وكان كيري أكثر تحديداً حين صرح بأن هذه الإستراتيجية تحتاج لأكثر من 3 سنوات ليتم إنجاز مهمتها في القضاء على تنظيم داعش أما بنودها الرئيسية فهي : أولاً : تشكيل تحالف دولي بما يقارب من40 دولة من أصدقاء أمريكا وحلفائها بحلف الناتو والإتحاد الأوربي وبعض الدول العربية كمصر والأردن ودول الخليج بالإضافة إلى تركيا . ثانياً : دعم حكومة العراق وإقليم كوردستان عسكرياً من خلال التدريب وتقديم السلاح والمساعدات والخبرات العسكرية ليكون بمقدورهما مواجهة تنظيم داعش على الأرض لأنه سوف لن يكون هناك أي تدخل امريكي ودولي على الأرض . ثالثاً : القضاء على البنية التحية لتنظيم داعش بالعراق وسوريا ومحاولة تحديد إمكانته العسكرية ومساحة تحركه ومنعه من إحتلال مناطق جديدة ويكون ذلك على مدى الثلاث سنوات القادمة . هذا غيض من فيض إستراتيجية أمريكا لمحاربة داعش والقضاء عليها بعد أن اكتشف الأمريكان أن قوة تنظيم داعش لايمكن الإستهانة بها وستظل حكومتنا الجديدة رهينة هذه الرؤى الأمريكية البعيدة كل البعد عن الواقع العراقي بل يبدو أن مصير العراق وعمليته السياسية وبعد أكثر من 10 سنوات على التغيير الذي قادته أمريكا وما خلفه هذا التغير من خراب وتفكك في بنى الدولة العراقية ما زال معلقاً بيد أمريكا وأقرب مثال على ذلك هو بقاء حقيبتي وزارتي الداخلية والدفاع شاغرتين حين إعلان تشكيل الحكومة لأن أمريكا أبدت رفضها للأسماء المرشحة لهاتين الوزارتين ومازالت النخب السياسية تراهن على دور حيوي وفعال لأمريكا في العراق رغم كل التقاعس الذي أبدته أمريكا اتجاه ما يحدث بالعراق .
|