جاء في كتاب أفواه الزمن لادواردو غاليانو، انه في عام 1839 اشترى السفير الأميركي في هندوراس، جون لويد ستيفنس، مدينة كوبان الآثارية التي تعود إلى أزمان المايا، اشتراها بآثارها وآلهتها وكل ما فيها، بخمسين دولارا. وفي عام 1892، وعلى مقربة من نيويورك، باع زعيم من السكان الأصليين، من هنود اروكي، أربعة أحزمة مقدسة تحتفظ بها قبيلته منذ الأزل، وكانت تلك الأحزمة تروي القصة الجماعية للهنود. لقد اشتراها الجنرال هنري ب. كارينغتون بسبعة وخمسين دولارا.
ومن أجل تبييض جمهورية الدومينيكان، عمد الجنرال رافائيل ليونيداس تروخيبو إلى قتل ثمانية عشر ألف زنجي العام 1937، وكانوا جميعهم من الهايتيين، وقد دفع تروخيبو إلى حكومة هايتي تعويضا بلغ تسعة وعشرين دولارا للقتيل الواحد، العام 2001. وبعد عدة محاكمات على جرائمه، انتهى الجنرال التشيلي اغسطو بينوشيت إلى دفع غرامة مقدارها ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار بمعدل دولار واحد عن كل قتيل.
الدول الكبرى اعتادت أن تنادي بالقانون والمحاكمات الدولية، لكنها نداءاتها غير مجزية للضحية. وقياسا لما يجري في العراق الآن؛ من سيحاكم على أنهار الدماء التي سالت فصبغت دجلة بلونها الأحمر وجعلته يشكو من تزاحم الجثث، ليخرج حيدر العبادي ويكافئ القتلة بإصدار قرار يمنع القوات الجوية من مهاجمة المدن التي تتحصن بها (داعش) والمسلحون، وهو يعلم علم اليقين أن من يوجد في هذه المدن إما يكون من (داعش)، أو من مؤيديها.
هذا أول الغيث، أميركا تقصف تجمعات (داعش) في المدن من جهتها، لكنها تبارك خطوة العبادي بعدم مشاركتها هذا الشرف. العالم يفور ضد (داعش). مؤتمر هنا ومؤتمر هناك، والعبادي يسمح لـ(داعش) بالتقدم في الفلوجة والضلوعية، وهو أكثر دراية من غيره بأن الجيش منهك ومتراجع وقوات الحشد الشعبي هي من تتحمل مسؤولية الدفاع. لن يدفع العبادي دولارا واحدا لأي قتيل، لأنه منذ البداية تحجج بعجز الميزانية التي لم توقع حتى الآن، والعام مشرف على نهايته. لقد صمم رئيس الوزراء الجديد على وضع الطائرات الروسية في المتحف، كما فعل صدام من قبل. ظل ينادي بقدرة القوة الجوية العراقية، وفي أول اختبار حقيقي هرب طائراتها إلى إيران ليحصل على سلامتها من القصف الأميركي.
صائد الليل ستوضع في المتحف، ولن تكون هناك قوة جوية للعراق خلافا لكل الدول المحيطة به. أميركا ستجير هزيمة (داعش) باسمها، بعد أن حطمت الأخيرة الحضارة الموصلية العريقة، وفجرت أضرحة وأعمدة حضارية كثيرة. لن يعود العراق قبل 10 حزيران أبدا، ولن يكون هناك طلاب في "سبايكر"، ولن يطالب أحد بتعويضات من أميركا والسعودية، بل على العكس ستحمل أميركا لواء مقاتلة (داعش) جنبا إلى جنب مع السعودية الراعية الأولى للإرهاب والمساعدة الحقيقية في إنتاج حركات الإرهاب ومنها (داعش). هذه المغالطات التي تنتهجها أميركا وتدعي من خلالها أن العراق بلد مستقل يمتلك سيادته، وهي مصرة على أن تولي وزارة الدفاع والداخلية لمن تختاره هي وليس رئيس الوزراء. إنه خيال الظل الذي كنا نسمع عنه من قبل، وهو الآن يحكم العراق، فلا يستطيع أن يستوزر وزيرا كفوءا يدافع عن الواقع الأمني الذي يذهب ضحية تخلخله المئات من العراقيين يوميا.
من سيدفع تعويضات هذه الدماء يا رئيس الوزراء أنت أم أميركا؟ وهل ستدفع دولارا لكل قتيل؟ صور بشعة من الموت الذي تحالف من أجله العدو والصديق، وستطول القائمة، وتفتر "سبايكر" لتأتي سبايكر أخرى، وستظهر (داعش) أخرى ما دامت أميركا هي اللاعب الوحيد بمصير هذا العالم المسكين.