للناصرية ... تعطش و اشربك ماي ...

كثيراً ما تُتَداول في مواقع غير معلومة الهوية على النت " نكات " و طرائف " عراقية " يُسند دور البطولة فيها إلى الفئات التالية حسب تصنيف مختلقيها وفق درجة السوء و الخبث المزعومة :
1) ناصرية .
2) مصلاوي .
3) كردي .
4) دليمي .
لمعرفة مختلقي هذه النكت السخيفة و المعيبة و التي لو كان الفقه الإسلامي ملتصقاً بالحياة اليومية لحرّم تداولها بدلاً من تحريم الموسيقى التي تهذّب الروح مثلاً ، يلزم تتبّع المتضرّر ( إقتصادياً ، سياسياً ، اجتماعياً إلى آخره. ) من الفئة المقصودة .
فالمصلاوي ( الموصلي ) كان مكروهاً من قبل الأنظمة العراقية التي يهيمن عليها العانيون ( نسبة ً إلى قضاء عانة التابع لمحافظة الرمادي ) لرتبته العسكرية العالية و مستواه العلمي الرفيع ، و يكفي أن يقال " الموصل " و يقال " عانة " لتلمُّس الفرق بين الثريا و الثرى .
و الكردي مكروه من قبل المتعصبين قومياً من الناطقين بالعربية لاعتداده بنفسه واعتزازه بتمايزه القومي ، و لوقوفه في وجوههم ، و هذا كافٍ لجعله مادة ً للتنكيت ، فالناطقون بالعربية - على اختلاف أقطارهم - بارعون في تحقيق انتصارات الخيال و الوهم لتعويض نقصهم .
و الدليمي مكروه من قبل غيره كونه من بقايا جيش قوي قديم ، كان العثمانيون يستخدمونه لإخضاع مناوئيهم و هو الجيش الإنكشاري ، المؤلف أساساً من شبان مختطَفين من مناطق بعيدة ، مثل آسيا الوسطى و ماوراء النهر .
بقي ابن الناصرية ، و غرابة اتهامه في هذه النكت العنصرية بالخبث و الدناءة .
فابن الناصرية - عادة ً - ساذج و مضحوكٌ على ذقنه من قبل جميع مناطق العراق الأخرى . فهو وقود حروبهم لأن الجيش القديم و الجديد يتألف منه في الغالب . و هو عماد أحزابهم السياسية و جماعاتهم الدينية بمختلف اتجاهاتها و مرجعياتها . و هو الذي تخفّ رجليه على حسّ أي طبل ، مهما كان أجوفَ و فارغاً .
لماذا - إذن - رميه بالخبث ؟
بعض " المحلّلين " يعزو ذلك إلى انتفاضة آذار ( شعبان ) العام 1991 التي كان للناصرية فيها قصب السبق ، ما دفع النظام الصدّامي و دوائره الدعائية إلى تأليف النكت ضد هذا الإنسان الشريف ، كنوع من الحرب المضادة و الانتقام لهزائمه في مواجهة شعب الناصرية ، رأس حربة الجنوب .
في رأيي المتواضع ، أن التنكيت و التبكيت لأهل الناصرية سابق لكل تلك المراحل المتأخرة . فلطالما سمع الناصريون ، في مراحل و أزمان متقدمة على ثمانينات و تسعينات القرن الماضي ، عشرات النكت التي تحطّ من قيمتهم ، في الجامعات و الثكنات و المعسكرات و الدوائر و سائر المغتربات ، من دون الوقوف على السبب الحقيقي لكل هذا الحقد .
السبب الحقيقي ، أعتقد ، هو عراقتهم العشائرية و القبائلية إزاء شتات غير معلوم الأصول ، في محافظات أخرى قريبة و بعيدة .
السبب الحقيقي ، أن أول " دولة " حقيقية قامت و دامت في تاريخ العراق الوسيط كانت في الناصرية ( إمارة المنتفق التي امتدت إلى الأحساء جنوباً و إلى مقتربات بغداد العثمانية شمالا ) .
السبب الحقيقي ، هو أن العراق ليس عراقاً ، من دون الناصرية ، فهي الأدب و الفن و السياسة و الدين و العروبة و الشيم و الكرامة .
و لكن ، هل تُكمل النكت نقصاً ، أو تُكسب شرفا ! هيهات .