گرملي...

البارحة رجعت من العمارة/ ميسان وزرت القرية اللي سكنت بيها وعائلتي ثلاث سنوات هربا من بطش صدام حين كنت بعمر عشر سنين....رجعت ازورها بعد 25 سنة.
اخذتلي جولة بيها وسلمت عالناس الذهب اللي الله خالقهم من بردي وروبة وطين وسمچ وطابگ....لم يعرفوني الا بعد ان لعبت معهم لعبة الحزورات ..(فنك اذا عرفتني) انا كذلك لم اعرف منهم احد الا بواسطة دليلي السياحي (ابن عمتي).
رحت زرت بقايا بيتنا الطيني وخابرت امي وابوي وكنت مراسلهم الصحفي من هناك وانقل لهم عبر الهاتف سلام وتحيات من بقي حيا من العجايز والشياب....هرم الشيوخ وكبر الاطفال الا نهر گرملي الذي صار بقايا نهر لولا بضع بطات تبلبط فيه هنا وهناك ..
تغير الحال واختفى الهور حتى انني لم اسمع نباح الكلاب ولم ارى قطعان الاغنام يحدوها كبشها القائد المشمخر المفتخر بقرنيه بكل خيلاء ولم ارى سوى جاموستين كانتا تركضان وانا اقف امام الكاميرا حاثا صديقي المصور على عدم تفويت لحظة مرورهما خلفي...انحسار الماء عن القرية افقدها 99 بالمية مما اختزنته ذاكرتي عنها...سكانها بالغالب شرطة وجنود ومتطوعي حشد شعبي يقاتلون هناك حيث لا ترحيب بعبد الزهرة...حتى انني زرت احد الجرحى وهو ابن لجريح من مقاومي حكم صدام افقدته الاصابه قدرته على النطق..سألت الابن عن ابيه فاقد النطق ضحك وقال لي ابوي يقاتل بحديثة!!
المساحي والمناجل والبلم وشباك الصيد انحسرت في مناطق صغيرة جدا من ارض كانت يوما جنة عدن...
چریغد العطارة الوحيدة التي كانت تزود القرية بالحلقوم والشعر بنات ولقمة القاضي وصرة عبلة وحب عين الشمس الذي كنت اشرف على لفه بعد ان اساومها على قراءة كل المجلات والكتب التي تجلبها للف حبها قبل بيعه.... چریغد التي توفيت ولم يسد مكانها احد وصارت القرية بلا دكان ولا قاضي لكن عين الشمس وضحكات اهلي الفقراء وشجاعتهم وطيبتهم المفرطة لا زالتا يجعلان من گرملي وكأنها بطعم الحلقوم!!