في مواسم اندلاع الأزمات ، وهي كثيرة في العراق، وخاصة عندما تقاس خطورتها على مقياس ريختر، بوصفها كارثة "سياسية" تخلف ضحايا مثل اي زلزال او تسونامي، تستعرض الذاكرة الشعبية اسماء "رجال الحكمة" لدورهم في تصفير الازمات بحسب تعبير المحللين السياسيين ثم التوصل الى اتفاق نهائي لحسمها وتجاوزها . في قرية تقع شمالي بغداد بالقرب من ناحية الضلوعية كان" زناد ماضي مخلف " معروفا بين أهالي منطقته بانه واحد من رجال الحكمة ، ولدوره في حل النزاعات العشائرية ، حول تقاسم المياه ، وغيرها من أسباب اندلاع صراع مسلح بين المتخاصمين ، اكتسب شهرة عريضة بوصفه "حلال مشاكل " بالتراضي ، طبقا للأعراف العشائرية السائدة ، ولم يكن اسم المرحوم زناد يوحي بإشعال الحرائق وتأجيج الخلاف، ولمكانته بين أبناء قومه كما يقول معارفه دخل في مفاوضات مع المحتل البريطاني مطلع عشرينات القرن الماضي ، وحصل منهم على تعهدات بحفظ امن المنطقة ، ومنذ ذلك الوقت حمل لقب "مستر زناد " اطلقه عليه ضابط بريطاني ، للتعبير عن احترامه وإشادته بدور الرجل باعتماد الخيار السلمي في تسوية النزاعات العشائرية . "مستر زناد" غادر الحياة مطلع التسعينات وعرف عنه ، انه كان من اشد المعترضين على تسخير جهود شيوخ العشائر لخدمة السلطة في البحث عن " الفرارية " وتسليمهم الى اقرب سيطرة تضم عناصر الانضباط العسكري ، ورفع برقيات التأييد واعلان البيعة الدائمة الى القيادة الحكيمة في المناسبات الوطنية والقومية ، وكلفه موقفه فيرفضه جعل شيوخ العشائر أدوات امنية ، ان يواجه بالصمت حملة شنها ضده اصحاب البرقيات بالاشارة الى لقبه "مستر زناد" وتعاونه مع المحتل البريطاني ، في محاولة لتشويه تاريخه وسمعته ، والرجل لم يدخل الى العراق على ظهر دبابة بريطانية ، ولم يتسلم من قوات الاحتلال مبالغ مالية مقابل تنفيذ مقاولات وانشاء مشاريع اروائية، وفضل المكوث في قريته حتى يوم وفاته . الضلوعية اليوم وهي تواجه هجمات "داعش" بحاجة ماسة الى دعم ابنائها المقاومين بالسلاح والمعدات ، ومواد الاغاثة الانسانية ، فضلا عن منح" رجال الحكمة" من ابناء واحفاد المرحوم زناد وغيرهم، امكانية التحرك على المناطق المجاورة ولقاء ابناء العشائر ، لبلورة اتفاق موحد من شانه ان يسهم في القضاء على عناصر الجماعات الارهابية ، بالتنسيق مع الوحدات العسكرية. قبل وبعد عقد مؤتمر جدة في السعودية، ركزت صحف خليجية على تناول "انتفاضة العشائر السنية على تنظيم داعش " ، وبصرف النظر عن النوايا الخليجية ودورها في مساعدة العراق في حربه ضد الارهاب ، صدر تصريح من سياسي عراقي يمتلك فضائية مقرها في الاردن ويشغل حاليا منصبا مهما في الحكومة الجديدة دعا فيه الاشقاء العرب الى مراعاة "حقوق المكونات" في الحرب ضد الارهاب ، وكأنه يريد اشعال المزيد من الحرائق ، والف رحمة على روحك شيخ زناد.
|