المرحوم نعسان كان صاحب مقهى صغير يحتوى على ثلاثة تخوت وطاولة واحدة ، يقع قرب دائرة رسمية بمنطقة الميدان وسط بغداد ، روادُه طلبة الجامعة ، وبعض الموظفين ، المهتمين بمتابعة آخر نشرات الأخبار من خلال "راديون أبو العين السحرية " وُضِع في رف صغير لا يفصله عن سقف المقهى الجينكو سوى شبرين بقياس كف نعسان. من أشهر زبائنه الرئيس اليمني الأسبق المشير عبد الله السلال يوم كان لاجئاً سياسياً في العراق ، حصل على هذا الامتياز بالمصادفة لأنه كان في زيارة الى بغداد ، ونفـذ خصومه انقلاباً ضده في صنعاء، علم به من نشرات الأخبار . من مصير السلال تعلـَّم نعسان الدرس الاول بأن الزعماء العرب من ملوك ورؤساء نهايتهم مجهولة ، وسعيد الحظ بينهم مَن يجد له قبراً في مدافن أسرته ، ويعلن الحداد على روحه ثلاثة ايام ، ويتولى خلفه منصب سلفه ، وأول نشاط للرئيس الجديد استقبال المعزين في القصر الجمهوري ، ثم إلقاء خطاب تاريخي ، يؤكد فيه التمسك بشعار خير خلف لخير سلف ، ومواصلة المسيرة لتحقيق أهداف الأمة ، أحداث من هذا النوع مرت على نعسان ، وتوصل الى قناعة أكيده بأن تمنياته في إعادة أمجاد العرب ، يوم وصلوا الى السند والهنـد شرقاً وحتى بحر الظلمات غرباً ، أصبحت مستحيلة ، وخاصة عندما تناسلت النكبات والأزمات ، وقررت جامعة الدول العربية عقد مؤتمر القمة في كل عام في عاصمة عربية يحضره الرؤساء والملوك والأمراء وينتهي المؤتمر بإصدار بيان ختامي يتضمن توصيات ومقررات توحيد الجهود لمواجهة أعداء الأُمــة. ثقـة المرحوم نعسان بالقادة العرب تزعزعت نهائياً، عندما علم بان ما سمعه عن سقوط 159 طائرة اسرائيلية في يوم 5 حزيران مجرد أُكذوبة، سوقها الإعلام الرسمي للتغطية على الخسائر، والفضائح، ومنذ ذلك الوقت استخدم منظومة شتم الزعماء العرب علانية، لكي يشفي غليله باستثناء واحد منهم لأسباب تتعلق بضرورة الابتعاد عن مواجهة السلطة في زمن النكبة، وما خلفته من جروح في مشاعره القومية والوطنية. على أرض الواقع ليس ثمة أمل لمعالجة حالة اليأس والشعور بالإحباط ، لدى نعسان ، ولكن على المستوى الشخصي رُزِق بمولود ذكر بعد خمس بنات فاختار له اسم عـز العرب ، واحتفاءً بالمناسبة السعيدة أعلن تقديم الشاي لرواد المقهى مجاناً ، وأقسم أمام رواد المقهى ، بأنه سيجعل "عز العرب نعسان" رمزاً للرجولة والشهامة والبطولة ، وسيكون خير خلفٍ لخيرِ سلف ، الرجل كان وفياً في تنفيذ وعده ، وبعد وفاته ، وإغلاق المقهى ، لشمولها بتوسيع ساحة الميدان ، قدَّم الابن طلباً الى دائرة الأحوال المدنية لتغيير اسمه والتخلص من تعليقات زملائه عندما كان طالباً في السنة الاولى بكلية التربية قسم اللغة العربية، أُستاذ خالد حالياً وسابقاً عز العرب ، أبدى أسفه في الوقت الحاضر على تغيير اسمه ، والأسباب لا تحتاج الى توضيح ، وألف رحمة على روح المرحوم الممثل عـز الدين طابـو.
|