هل تصلح تجربة اسكتلندا على الواقع العراقي المرير ؟

في ارقى ممارسة ديمقراطية , خرج الاسكتلنديين ليقولوا فيها نعم للتاج البريطاني , اذ رفض الاغلبية منهم الانفصال عن المملكة المتحدة , بينما سارع دعاة الانفصال للقبول بالهزيمة , رغم انها قاسية الى حد ما , كونهم ومنذ اكثر من سنتين عملوا لتحشيد الرأي , وذلك لغرض الاستقلال . ومن الجدير بالذكر ان من قاد حملة التصويت بـ"لا" هو السيد ألستر دارلنغ.
كما ان السيد ديفييد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا , كان قد صرح , بحزمة من التعديلات , سوف يتمتع بها الاسكتلنديين , بعد رفضهم للأنفصال , منها اجراءات تشريعية سريعة , وذلك منح اسكتلندا وبرلمانها صلاحيات اكبر , تشجيعا لهم لبقائهم ضمن , المملكة المتحدة .
مايهنا هنا هو الواقع العراقي المرير , اذ ان شعبا مستقرا مثل الشعب الاسكتلندي , ومتعايش سلميا , مع المملكة المتحدة , قرر الأستقلال بأستفتاء رسمي , شارك فيه اغلب ابناء الشعب , لكنه فشل في تحقيق ذلك , والسبب هو التعايش السلمي والمصالح المشتركة التي تربطه مع بريطانيا , اما الواقع العراقي , المتكون من فسيفساء متعدد الالوان , عرب وكرد وتركمان , واديان مختلفة اسلام ومسيح وصابئة وايزيدين , يجمعهم اسم العراق الواحد , لكنهم في الحقيقة , مختلفين كليا فيما بينهم ,اذ ان العرب منقسمين الى قسمين , القسم العربي الشيعي , والذي يريد ان يلعب دور ام الولد , لكنه في الوقت ذاته , لايريد ان يتحرر من عقدة مظلوميته , ويسكن اغلبيتهم في المناطق الوسطى والجنوبية , والعرب السنة , الذين لايقبلون ان يكونوا مجرد رقما في العملية السياسية , متصورين ان انتمائهم الى الأمة العربية , والتي يدين اغلب ابنائها بالمذهب السني , يعطيهم الحق لقيادة بلد مثل العراق , ولا يقبلون شريكا لهم فيه , وفي الفترة الاخيرة اخذ يتصور البعض منهم , ان التنظيمات الارهابية , الممثلة بداعش هي عبارة عن قوة لهم , وسوط يجلدون به من لايتفق معهم , حتى ان ممثليهم , راحوا يعلنون ذلك , دون خجل .
اما الكرد , فمسألة بقائهم في العراق , مسألة وقت لا اكثر , اذ ان حلم الدولة الكردية , يراودهم منذ الأزل , لكنهم لا يملكون الشجاعة , لأعلان ذلك , والسبب ان مستلزمات بناء الدولة لديهم غير كاملة بعد , على العموم , اتمنى على مكونات المجتمع العراقي المتصارعة , ان تكون التجربة الاسكتلندية مثالا لهم , اذ حسم الأمر , بأستفناء شعبي شجاع , فلماذا لا يكون لدينا ايضا ,اكثر من استفتاء شعبي , واحد في شمال العراق , حيث الكرد , واخر في جنوب العراق , حيث الشيعة , وثالث في غرب العراق , حيث العرب السنة , لنرى هل ان عدوى الخلاف السياسي , انتقلت الى عموم ابناء الشعب , وهل ان الشعب العراقي فعلا يريد , ان ينفصل البعض منه عن البعض الأخر , اذ ماقيمت الوطن وابنائه يذبحون كل يوم , الوطن يعني الناس المتحابة , الوطن يعني الاخلاص لبعضنا البعض , لا ان تكون سكين الغدر جاهزة , لنضرب بها شريكا لنا في وطن اسمه العراق , اليوم واقع الحال يقول , ان الكرد اصبحوا , مستقلين عن بغداد , وكذلك العرب السنة معظم اراضيهم , تحت سلطة الدواعش , والتي فضل البعض منهم , التعايش مع الارهاب , على ان لا يتعايش مع ابناء جلدته واخوته .
علينا ان نعترف وبكل شجاعة , أننا اليوم مختلفون بكل شيء , ولا يجمعنا سوى اسم العراق , الذي نتقاتل فيه , لذا اما ان نكون شجعانا ونقرر مصيرنا , وذلك عن طريق التعايش السلمي , والعيش المشترك , والمصالح المشتركة , او ان نفترق , متحابين , بأستفتاء شعبي , لا ان يلوح كل يوم على سبيل المثال , المكون الكردي بتقرير المصير والانفصال عن العراق , وواقع الحال يقول انه , مستقتل للبقاء في العراق , كون الأخير مازال بقرة حلوب , لم يجف حليبها بعد .