تعويض الشهداء بالجنّة لا يغني عن إقامة العدل والسنّة

في أمسنا القريب حصلت تلك المصيبة المفجعة والحادثة المروعة، وكتبنا وكتب الناس، وشجبنا وشجبوا المجرمين الأرجاس، وامتلئت صحائف الفيسبوك بالمنشورات التي تدين الهجوم الإرهابي الذي ذهب ضحيته المدنيين والزائرين وأصحاب السبيل... ثم ماذا؟ لا شيء، فالزمن كفيل بتخفيف حدة المصائب وتهوين شدة المآسي، وما هي إلا أيام حتى تصبح هذه الاحداث مجرد ذكريات تحتل من سجل التاريخ أسطراً أو كلمات، لا أحد يستطيع أن يفر من هذا الحكم مهما بدا لعين المتتبع قاسياً... 
لكن هل من الصواب أن نستسلم لمنطق الزمن، وكأن التاريخ يتصرف بنا تصرف صاحب الشطرنج ببيادقه ويحركنا كيفما يشاء في رقعته، إلى أن نسمع صارخاً يقول: (كش ملك: مات)؟ ألسنا نحن من يصنع التاريخ، أم يا يترى التاريخ يصنعنا؟ فهل نطوي عن دماء الشهداء كشحاً ونسدل دون حقوقهم ثوباً؟ ونلتمس لهم فسيح الجنان، من لدن الرحيم الرحمن؟ ثم ننكفيء على أنفسنا حزناً وننطوي على مصيبتنا أسفاً... هل نندب حظنا العاثر بما مر، ونقول مسلّمين: (وما يهلكنا إلا الدهر)؟ هل يفلت الأشرار من فعلهم الجبان، لكوننا من الأخيار وأهل العفو والإحسان؟ 
لقد بلغ السيل الزبى، وبلغت القلوب الحناجر، وما لم يقتص العراق من جُناته، فلا عِوضَ بما أعدّه الله في جَنّاته. وإلا لو كان الأمر جارياً على التعويض، والحق متروكاً لأجل الصبر والترويض، لكان أولى الناس بترك الحقوق أهل بيت العصمة، ولما ساغ في منطق المعاوضة أن يطالبوا بالثأر من تلك الطُغمة، ولصار شعار (يا لثارات الحسين) بعد الإيقان بخلوده في جنات الله العالية، لغواً أو طمعاً في هذه الدنيا الفانية... مع أن الشعار وأخذ الثار، من أسباب خروج المغيَّب عن الانظار، وهكذا لا يجب أن يخبو أوار اللهب الذي اصطلت به القلوب الطالبة للعدل، ولا يجوز أن تؤول بعد برهة إلى خور أو أن تزول من الأصل، فالدماء الزاكية مع أنها في الجنان تفوح عبقاً، فإنها في الأرض تفور حنَقاً، حتى يؤخذ لها بالنصَفة من الظالمين. فيستوي الميزان بالعدل وينتصر الحق بالدّين.