خطير ما جرى أمس الأول في الكاظمية، بل هو يدعو للتوجس ويثير في الذهن سيناريوهات عديدة عما يمكن أن يحاك لنا في بغداد. أقول هذا وأنا أرقب تكرار استهداف هذه المدينة المقدسة بالتفجيرات بين يوم وآخر وأتساءل: لماذا يحدث ذلك وما علاقته بمجريات المعارك وتطوراتها؟ هل يحاولون اختلاق فتنة في هذه المنطقة الحساسة لتكرار ما جرى في سامراء العام 2006، أم تراهم يرومون فك الطوق المتعاظم حولهم بخلخلة الأمن المستتب نوعا ما في العاصمة؟ هل فكّر المعنيون الأمنيون بهذه التفجيرات وربطوا بينها وبين ما يجري في الفلوجة القريبة وحزام بغداد الذي تحتدم فيه المعارك؟ أسئلة ليس بمقدوري الإجابة عليها، فأنا لست محللا عسكريا بل مجرد مواطن متفاعل مع الأحداث ولديه خبرة "عملية" مردها وقوعنا، نحن أهالي بغداد، وسط العاصفة منذ العام 2004. ما لاحظته، منذ سنوات، أن كثيرا من حمى التفجيرات التي شهدناها لا تأتي عفو الخاطر إنما ترتبط بمشهد كامل، أمني وسياسي. وهي تشبه، في وجه من وجوهها، ما يصطنعه لاعبو الشطرنج حين يحركون قطعا معينة لتمويه الخصم أو إرباك خططه بينما هم يرتبون لتحرك لا يخطر في البال. مثل هذه التحركات تكون عادة أشبه بالمناورات المزيفة لتشتيت ذهن الخصم وجعله بعيدا عن قلب المعركة المراد تفجيرها. إرهابيو داعش جربوا ذلك بنجاح قبل احتلالهم الموصل حين تحركوا نحو سامراء بنية احتلالها كما بدا لنا، لكنهم سرعان ما ظهروا في مكان آخر بكل ثقلهم. فهل ثمة مناورة شبيهة ميدانها الكاظمية بينما المفاجأة قد تظهر في مكان آخر؟. هذا الأسلوب في التفجير الواسع قد يشير لاحتمالات أخرى ليست بعيدة عن الذهن. منها أن يكون الهدف اكتشاف نقاط القوة والضعف في القوات الأمنية المتواجدة في العاصمة. فحسب المفترض، تعد الكاظمية الأقوى تحصينا في أغلب مناطق بغداد ما عدا المنطقة الخضراء، ولهذا فإن انتهاكها بهذه الطريقة يؤدي الغرض كأفضل ما يكون. أي أن سهولة اختراق منطقة مؤمنة يكشف بالنسبة للإرهابيين شكل المعركة التي قد ينوون إدارتها بعد حين، وعلينا ألا ننسى هنا أنهم يريدون الإيحاء للجميع، للقوات الأمنية وعناصرهم النائمة والإعلام، أنهم المبادرون وأن جبهة بغداد ليست مستحيلة الخرق. ثمة احتمال آخر ورد في ذهني، وهو أن غرض هذه الاستهدافات المتكررة قد يكون إحباط استكمال تشكيل الحكومة ودقّ أسفين بين القوى السياسية التي ما زالت بمرحلة التفاوض حول الوزارات الأمنية. هذا الاحتمال يقوى إذا ما علمنا أن هناك أجواءً غامضة تحيط بالعراق اليوم بعد عزم الولايات المتحدة قيادة تحالف واسع لمقاتلة "داعش" مع استبعادها لإيران. لن أنسى الإشارة هنا إلى أن فكرة استهداف الكاظمية واعتبارها بؤرة لأي خلل أمني قادم كانت في ذهن الإرهابيين منذ أحداث الموصل، وهو ما أكده أكثر من عنصر إرهابي في برنامج يعرضه التلفزيون أسبوعيا. في إحدى الحلقات قال أحدهم انهم يستهدفون المدينة بأوامر من قيادة "داعش" حتى أن أحدهم، وكان شارك بتفجير سيارة في سوق بقلب المدينة، قال إنه ذهب مع الانتحاري وبحثا عن أي نقطة يخترقانها. وحين سأله المذيع ـ ماذا لو افترضنا أنكم لم تستطيعوا الدخول إلى السوق؟ أجاب ـ كنا سنفجرها في أي مكان في الكاظمية. الرسالة واضحة جدا؛ هذه المدينة خاصرة حساسة واستهدافها يقود لاحتمالات كثيرة يجب ألا تغيب عن أذهان القادة الأمنيين. وهذه الاحتمالات كلها ذات علاقة بمجريات المعركة مع "داعش"، سياسيا وأمنيا. وعليه يفترض وضع سيناريوهات مقابلة وأخذ زمام المبادرة في لعبة الشطرنج الدامية هذه. حفظ الله بلدنا ونصرنا على هؤلاء الأوباش.
|