تعرضت مدينة الكاظمية المقدسة يوم أمس إلى هجوم ارهابي واسع استخدمت فيه السيارات المفخخة وقذائف الهاون فضلاً عن انتحاريين ومهاجمين آخرين، وأن كان حصول هذا الشيء ليس بالأمر الغريب حدوثه في كل مدن العراق، حيث سبق ذلك وقوع هجمات إرهابية وقبل فترة قصيرة في مدن النجف وكربلاء والديوانية، إذ يُعد كل ذلك نتيجة طبيعية مع وجود بطانات حكم فاسدة، ومنافقة، تتحكم بمصادر القرار وتوجهه حيث تشاء، ولا تملك من الروح الوطنية شروي نقير، بل همها المال وأخواته من المُفسدات .
ومع أن هناك تغييرات طفيفة تحصل مع كل دورة انتخابية لا تتجاوز حالة تبادل الأدوار والانتقال من وزارة إلى آخرى، الغاية منها خداع الشعب والمرجعية، إلا أن البطانة المتحكمة بالأمور والتي تحوم بخفة حول كل من يُسهل لها مراميها ظلت كما هي، تعمل بالخفاء مع تصاعد نشاطها لغاية الإثراء، مع ما هو معروف من حقيقة أن من ينشُد الربح القذر لا يتوقف عند حدود الفضيلة، مخيرا نفسه بين الإبحار في عالم الرذيلة، أو العودة إلى حيث يكون الضمير، بل أنه يجدف باتجاه مستنقع الفساد بكل ما أوتي من قوة ودفع ونشاط .
لذا ان البطانة دائما ما تلعب دور اخواء الحاكم من الداخل، حتى يصبح واهنا مهلهلا لا يقوى على مقاومة هذه العصابة الجامحة، المنحرفة عن إرادة الشعوب، أما إذا وفق الحاكم باختيار من يصلح أن يكون ضمن دائرته المقربة كناصح ورشيد، فأنه ولا شك سيكون من العاملين المعينين ، ويساعده على حرق مراحل التوجس والخشية من الوقوع في الخطأ، الذي قد يحوله إلى خراعة حكم زائفة .
من هنا فأن التوفيق باختيار البطانة سيترك أثره الايجابي على الحاكم والشعب معا، ويمهد الطريق كي يكمل بعضهما البعض، والعكس يحصل إذا ما فكر بغير ذلك ( الحاكم ) فتؤدي إلى حدوث شرخاً عميقا بين صاحب القرار وعموم الناس فيتمنون زوال حكمه واختفاء أثره، لأنه السبب في انتشار الموت نتيجة سياساته الرعناء أو بما هو أسوء من الموت من عيشة ذل، وعوق، وإملاق، واحتلال للأراضي، وبيع النساء في سوق النخاسة وهو ما لمسناه على الأرض.
وما وقع لبغداد أيام الأمين والمأمون خير مثال، فبطانة فاشلة،تقابلها غيرها ناجحة، سببت الأولى ضياع الملك، وجاءت الثانية للمأمون بالملك مسرعة، لأن الغادر مخذول، والناكث بالعهد مفلول، وهذا ما نسمعه مع كل ترديد قسم وعلى أعلى المستويات، فلا قسم يصان، ولا عهد يُحترم، فيسقط من الاحترام، من لا يلتزم فيه .
وان من تتسنى له فرصة الوقوف على ما قال الفضل بن الربيع للأمين، وما قاله الفضل بن سهل وطاهر بن الحسين للمأمون، يُدرك معنى وقيمة النصيحة، وكان للشعر دوراً في إصابة لب الحقيقة، حيث قال الشاعر (( أضاع الخلافة غش الوزير وفسق الإمام وجهل المشير )) فأدت أستشارة بن الربيع إلى ذهاب الأمين لحتفه، وبلوغ المأمون نصره بعقل بن سهل .
فيا حكامنا المفترضين كونوا موفقين باختيار بطانتكم يسهل الله أمركم وإلا فأنتم ذاهبون إلى حتفكم وهلاككم والعراق معكم ولن يسجل التأريخ لكم شيئاً غير اللعنة .
|