شجون عراقيّة

عذراً أيّها العراقيّون الطيّبون .
لستُ مُفكّراً .. ولا حكيماً .. ولا وصيّاً على قناعات أحد .
غير أنّني ، ومنذُ خمسين عاماً ، فتحتُ عيني في هذا البلد ، على أشياء كثيرة ..
وأختبرتُ أشياء كثيرة .
وأعرفُ من نحنُ .. ومن يحكمنا ، ويتحكّمُ فينا .. منذ جمهوريّة عبد الكريم قاسم .. إلى ولاية نوري المالكي .
أنا من اولئكَ الذين أنصتوا مليّاً إلى هتافات هذا الشعب لـ " قادتهِ " .. إلى أن أصابني الصمم .
أنا من اولئكَ الذين يعرفون كيف ينِسجُ العراقيّون علاقاتهُم بحكّامهم .. وكيف يمزّقون لاحقاً هذا النسيج .. وكأنّهُ لم يكن يوماً من صُنْعِ أيديهم .
أنا من اولئكَ الذين يعرفون كيف نقومُ بخياطة ملابس الأمبراطور .. وكيف نتكدّسُ في الميادين لنصفّق له ، مع أنّهُ لايرتدي شيئاً .
خمسونَ عاماً .. ولم يتغيّر أحد .. ولم يتغيّر شيء .
لهذا كلّهُ .. فأنّ هذا الذي يحدثُ الآن .. هو لاشيء .
لهذا كلّهُ .. 
لن يحدث شيء .

( 2 )

سابقاً .. كُنّا نستيقظُ قبل الذباب .. لكي لا يشاركنا الذبابُ فُطورَ أطفالنا .
لاحقاً .. وحين منحناهم أصواتنا ، وصاروا بها سلاطينَ ودُوَل ،
أصبحَ الذبابُ يستيقظُ ُ قبلنا .
و لأنّ الذبابَ لا يجدُ طعاماً للفطور ، لأنّ طعام الفطور لمْ يَعُد موجوداً ،
يأكلُ الذبابُ وجوهَ أطفالنا ، الحالمةَ بلحظةٍ .. لا ذبابَ فيها .
يسقُطْ .. يسقُطْ .. الذبابُ السابق .
يعيشْ .. يعيشْ .. الذبابُ الذي جاء بعده .

( 3 )

هُنا .. و الآنَ .. وقبل ذلك بكثير
إذا اردْتَ أنْ تكونَ إنساناً 
فعليكَ أنْ تعرفَ أنّ هذا الأمر ليس سهلاً .
إنّ هذا الأمر صعب .
صعبٌ جداً .
هُنا .. و الآنَ .. وقبل ذلك بقليل
إذا اردْتَ أنْ تتصرّفَ ككائنٍ مُتحَضِّر
فعليكَ أنْ تعرفَ أنّ هذا الأمر ليس سهلاً .
إنّ هذا الأمر مستحيل .
مستحيلٌ جداً .

( 4 )

البصرة .. البصرة 

ذهبتْ ربّة البيت هذا اليوم الى السوق .. وعادتْ بعذقٍ صغيرٍ من التمر " البرحيّ " .
أعادني " البرحيّ " الى البصرة .. يوم كنّا جنوداً في الحرب العراقية - الأيرانية ، وكانت لنا " مواضعنا " في بساتين نخل " الجباسي " .
أحدنا ( وكلّنا لم نكن من البصرة ) ، أراد عذقاً من نخلة برحيّ في البستان ، ليأخذه معهُ إلى أهله في محافظة أخرى .
كان معنا جنديٌّ واحدُ من البصرة ،هو الوحيدُ الذي يجيدُ "صعود" النخل بيديهِ العاريتين .
توسلنا اليه ان يصعد النخلة ، ويأتي بالعذق لصديقه ، فرفض ذلك بغضبٍ عارم ، وصرخَ في وجوهنا : صحيح ان لا أحد غيرنا هنا ، ولكنّ لهذا النخلٍ أهلٌ .. وصاحِب ْ .
وحين أجبرناهُ على ذلك .. عادَ بعذقٍ واحدٍ صغير . وحين وضعهُ على الأرض ، جثا على ركبتيه بالقرب من العذق ، وبدأ بالنحيب .. كأنّهُ قتلَ أمّه .
هذه هي البصرة .
وهؤلاء هم أهل البصرة .

( 5 )

عشرة " كتب " غيرّتْ حياتي :
- عبد الكريم قاسم
- عبد السلام عارف
- عبد الرحمن عارف 
- احمد حسن البكر
- صدام حسين 
- جورج بوش الأب
- جورج بوش الأبن 
- زلماي خليل زاد
- بول بريمر
- نوح فيلدمان

( 6 )

في العراقِ " العظيم " .. الذي يشبهُ اليمنَ " السعيد " .. اللذانِ يحدثُ فيهما الآن كلّ شيء ، باستثناءِ العَظَمَةِ والسعادة . يكتبُ محمد الغيثي

[ من السابقِ لأوانهِ الحديثُ عن المُفْتَرَضْ .. في بلدٍ لا يزالُ في طورِ المؤسِفْ . ]