بعد عام ٢٠٠٣ باتت المنطقة الغربية من العراق مسرحا للمقاومة العسكرية حتى استفحل في ثناياها إرهاب القاعدة ،فكان الأثر الفعّال في دعمها للنّظام السّوري تحت عنوان التّحرر القومي ونظرية المقاومة .. ولكنك حين تقتفي اثر الأحداث تجد أنّ جميع مفاصل العمل الاستخباري في سوريا هو تحت عباءة إيرانية واضحة المعالم، لذا فالإيرانيون دخلوا العراق بوجهين .. الوجه الظّاهر الشّيعي، لمخاطبة وسط وجنوب العراق والتأسيس للميليشيات الشّيعية بغية السّيطرة على السّكان تحت ذريعة مقاومة المحتل، وآخر خفي بوجه سوري لتأليب وتحريك ما يسمى محور المقاومة ضد الأمريكيين في غرب العراق.
وبعد تعالي الصّيحات المدنية داخل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ضد التّدخل العسكري في العراق وافغانستان والملل الامريكي ومن ثم الانسحاب وترك العراق لقمة سائغة لطهران في ظروف عصيبة،والفتك الذي مارسته احزاب الاسلام السياسي الشيعي وميليشياتها الذين تسلّلوا الى مفاصل السّلطة والمال العام، يعزز ما وصلت اليه الأحداث الان من تنامي بؤر الاٍرهاب في المنطقة لنرى ثلث العراق تحت سيطرة داعش... الان اصبح لزاما علينا أن نرتقي الى الإحاطة بحجم النتائج المترتبة ومخاطرها.
حين نتابع سير الأحداث نرى ان سنّة العراق قد استوعبوا دروس الماضي بقراءة ثاقبة فنرى مجلس محافظة صلاح الدين يعلن رجوع الأمريكان للقواعد العسكرية الثلاث، بغية مكافحة الاٍرهاب ودحر بؤره في مناطقهم .. ومن ذلك نستخلص ان سنة العراق توضّحت لديهم خارطة المصالح وان مصاحبة الأقوياء هي الطّريق الأمثل لحماية مصالحهم واستقرار وجودهم.
وقبل أربع سنوات أعلن البرازاني أن برلمان بلاده يوافق على بناء قواعد أمريكية في كردستان دون موافقة بغداد وأبلغ ألأمريكان رسميا بذلك ووطد صداقته بهم تحسباً لدرء المخاطر القادمة ، وما شاهدناه بعد الهجمات الإرهابية لداعش على مشارف إربيل،حيث حلق الطيران الامريكي سريعا يدك جحافل داعش المتقدمة صوب أربيل.
اما القيادات الشيعية السياسية المتأدلجة بنظرية ولاية الفقيه اكثر من الإيرانيين انفسهم، فحين عُقد اجتماع جدة ولم يتم دعوة الإيرانيين سارعت الأحزاب والميليشيات التابعة لهم بوزرائها ونوابها بالتنديد بالسعودية والامريكان والاتحاد الأوروبي، وظهر التنديد اعلاميا بشكل واضح واثبتته مسيرة ساحة التحرير، خير دليل للتلاحم بين احزاب التحالف الشيعي وطهران ... ويقف وزير الخارجية العراقية في مؤتمر باريس معلنا الخطأ الفادح في عدم مشاركة ايران للجهد الدولي ضد الاٍرهاب في محاولة لإجبار الادارة الامريكية بوجوب مشاركة إيراِن .. ومجمل القول ان الأحزاب الشيعية في العراق تريد استمرارا للوجود الإيراني باعتباره عاملا مساعدا لديمومتها وحماية لبقائها.
يمكن القول ان السنة العرب في العراق وبالمشورة الخليجية الصادقة وإعادة عرى العلاقة مع الولايات المتحدة بما تجسده حالة المصداقية لقتال داعش .. سيجنوا ثمارها قريبا بإقليم سني واضح المعالم له من الدعم الخليجي يعزز ارساء دعائمه سريعا.
وكذلك الكرد والتزامهم الكامل بالعلاقات الامريكية والاوروبية والاسرائيلية فقد أرست أربيل بوصلة مصالح الشعب الكردي لشاطيء الأمان.
وخلاصة القول ان القيادات الكوردية والسنية في العراق قد ركبت هي وشعوبها مركب النجاة على الرغم بما يحدق بها من مخاطر .. اما شيعة العراق فهم ما زالوا غير قادرين على انتشال اقدامهم من الوحل الإيراني وسفينة طهران تتركهم عالقين ،حاملة لواء مصالحها ومتجهة نحو الموانيء الامريكية تنتظر الضوء الأخضر للقبول ،ومستعدة لجميع التنازلات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة ... ولكن مقابل ثمن لمصلحة طهران ... وطهران فقط ...!!
وختام القول..
من يعش تابعاً لا حلم له بالقيادة!
|