الدولة في مفهومها الحديث تتكون من مثلث ذو ثلاث أضلاع.. هي الشعب والحكومة والارض.. في حين انّ السلطة تتكون من ضلعين فقط.. هُما الشعب والحكومة (بلا ارض مثل فلسطين، حيث تمثل السلطة الفلسطينية مثال جيد لسلطة تملك حكومةً وشعباً ولا تملك ارضاً).. ودولة الفاتيكان مثلاً هي اصغر دولة في العالم.. لها حكومة (يراسها البابا) ولها شعب (البطارقة والكهنة) ولها ارض(ارض الفاتيكان) وهي دولة داخل دولة إيطاليا.
موضوع السلطة قديم قدم المجتمعات البشرية ، حيث لا يمكن أن نتصور أي تجمع إنساني دون أن تكون به سلطة بأي طريقة من الطرق ، فمنذ المجتمع اليوناني القديم نجد إشارات واضحة في فكر " أرسطو " عندما تناول موضوع الدولة المدينة ، حين أشار إلى إن شرعية الدولة تقوم على السلطة ، وشرعية السلطة هي قيامها لمصلحة العبيد ، ويرى أن سلطة السيد على العبد هي لمصلحة العبد ، مع أن مصلحة السيد ومصلحة العبد تتماثلان حينما تكون المشيئة الحقيقية للطبيعة هي التي تعيّن للسيد وللعبد المستوي الذي يشغله كل منهما ، ويشير إلى أن سلطة الوالد على الأسرة غايتها مصلحة الخاضعين لها ، أو أنها مصلحة مشتركة .
العراق بعد احداث 2003 بدأ بتغيير نظامه من دولة السلطة الى سلطة الدولة ، ونظر المحللون الى انه تغيير جيد في واقع الحال السياسي العراقي ، في حين تراجعت بعض الاصوات التي لم يرق لها هذا التغيير ، وبدأت الدولة العراقية في وضع حجر الاساس ببنائها المؤسساتي الحديث .
وسارت العملية السياسية وصنع دستورا عراقياً يعتمد عليه برغم النواقص والملاحظات، ولكنه دستور اختاره شعبنا ليكون انطلاقة في بناء عراق جديد مبنياً على العدل والمساواة بعيداً عن التسلط من حزب او فئة او جماعة .
ان من اهم عناصر سلطة الدولة امتيازها بالسلطة العامة لان ذات اختصاص عام يتضمن كل نواحي النشاط البشري في الدولة، وتبعاً لذلك فان السلطة تحتكر القوة المادية التي تجعلها قوة تسيطر على ارجاء الدولة ولاتسمح بوجود اية تنظيمات عسكرية او تكون منافسة لها .
ولعل الشي المهم الاختفاء الكبير للدولة العراقية كتجسيد لمفهوم الدولة، هو اندحارها بالكامل امام سلطة الافكار البعثية وبعدها اندحار الاثنين اما سلطة رجل واحد، كان هو الدولة واصبحت الدولة هي ذلك الشخص.
اسباب هذا الاندحار، لازالت فاعلة في الفضاء الابرز لهيكل الدولة، وهو الحكومة، كجهاز تنفيذي، والبرلمان كجهاز تشريعي، اضافة الى السلطة القضائية التي اختارت الوقوف الى جانب الاقوى في معادلة الاندحار والانحدار.
لم تعد الدولة في العراق تمتلك الا اطارها النظري، وهو اطار ربما يتآكل مستقبلا في الكثير من عناصره نتيجة لتغوّل السلطة لافراد او جماعات تتصارع فيما بينها.
|