التفاضل والتكامل!!

نكتب عن الأفضل وعن الذي يبقى , والذي يصلح , والذي ينجح , ونمعن بمقاييس الأفضل العاطفية والإنفعالية والفردية والفئوية , وغيرها من إبداعات التسمي بما لذ وطاب لأصحاب الإفتراس الحضاري الفظيع.

ونتناسي التكامل الحضاري , والتفاعل الوطني الجامع الجاد المترافق مع العطاء الأمثل والمتوافق مع خطوات العصر , الذي تتجمع فيه القدرات وتتفاعل من أجل صيرورات كبرى , ذات تأثير إنساني وإقتصادي وثقافي متنامي ومتجدد.

فالمنطوق الوطني بعقده الإجتماعي المراعي للمصالح الوطنية , لا يتفق ومفاهيم المفاضلة , وإنما تتحقق الذات الوطنية بجوهرها الإنساني وفقا لعقيدة التكامل الفعال ما بين أبناء الوطن الواحد , لأن التكامل هو قانون الحياة الصالحة للبقاء والتطور , والتفاضل قاهرها وماحقها وعدوها الأكبر.

فالتكامل يحثنا على تبادل الأدوار والتفاضل على تماحقها.

وفي المجتمعات القوية , يتم العمل بمفاهيم التكامل , وفي المتأخرة تتسيّد مناهج ومنطلقات التفاضل , التي تؤدي إلى إستنزاف شديد لطاقات المجتمع , وتفريغ مروّع للوطن من قدراته كافة.

إنّ السعي وراء ترسيخ مفاهيم التفاضل , ودحر مفاهيم التكامل , يُعد سلوكا تراجعيا , ومنطقا متخلفا, وبعيدا عن آليات ودينامكات العصر الجديد العاصف بالقرن الحادي والعشرين.

وهو إنهيار فكري واخلاقي , ومناوءة وطنية وثقافية , وتسويغ لمشاعر عدم المسؤولية , ورفض للتعايش الإنساني الحضاري الحافظ لحقوق الناس والمُراعي لوجودهم , بكل ما يحمله من خصوصيات ومميزات ثقافية.

وفي قاموس الديمقراطيات المعاصرة , لا توجد مفردات "هو الأفضل" , و "هو الأوحد" و لا كلمة "هو" , لأن المنطوق الحضاري يُوجب إستعمال المفردات الدالة على التفاعل والتكامل , والجد والإجتهاد في تقديم الأحسن للوطن بشعبه وأرضه , وكل إنسان له الحق في التعبير عن دوره في العطاء والمساهمة في تقوية وتعزيز الوجود الوطني والمجتمعي.

ولا يمكن لفرد أو حزب أو فئة أن تستحوذ على الأدوار , وتمنع الآخرين من المساهمة الحرة الصادقة في مسيرة البناء والتقدم والرقاء , وإلا تتحول الديمقراطيات إلا دكتاتوريات فئوية وحزبية وربما فردية , وهذا يعني أن السلوكيات المناهضة للديمقراطية تتبرقع بالديمقراطية كشعار ومنطوق إعلامي وتسويقي , لتحقيق أجندتها الفردية والعقائدية المناهضة لجوهر السلوك الديمقراطي , ومنطلقات الديمقراطية المعاصرة.

وهكذا فأن التركيز على مفاهيم الأفضلية , إنما يعد ضربة قاصمة توجّه للديمقراطية في أي مجتمع , وتتسبب في تداعيات أخلاقية وسلوكية ذات تأثيرات فاسدة وسيئة , ومدمرة لجميع عناصر التفاعل السياسي والثقافي والفري والإقتصادي.

وعدم الإنتباه لهذه التوجهات , إنما هو خطيئة حضارية لا تغتفر , لما ينجم عنها من متواليات دمار هندسية المنحى والتفاعلات.

وما على المجتمعات الديمقراطية الناشئة , إلا أن تدرك مفاهيم التكامل وتعززها , وتبتعد عن منطلقات الإستئثار والتفاضل , لكي تصنع وجودها الديمقراطي النافع للوطن والشعب بأسره.

 

د-صادق السامرائي

11\1\2013