لا للمحسوبية ... والعبث بسمعة الدولة وهيبتها ....!! |
العلة النفسية المستديمة التي تعاني منها حكام المنطقة العربية عموما هي انعدام الثقة بشعوبهم التي تولدت كنتيجة حتمية لطبيعة التربية البيتية التي نشاؤا عليها ، والبيئة الجغرافية المحصورة المنغلقة على نفسها التي ترفض الانفتاح والقبول بالآخر خصوصا ان كان هذا الآخر من غير قبيلتهم وعشيرتهم ، ولهذا بقيت هذه القلة القليلة من أصحاب النفوذ والسلطات والثروات تورث لأحفادها جيلا بعد جيل السلطة المطلقة التي تجيز من حيث اعرافهم وتقاليدهم الحق في اخضاع كل من يقع تحت أمرتهم تحت مسمى (طاعة ولي الأمر).....
واليوم بعد مرور عقود طويلة على تلك الظاهرة نجد ان الاغلبية ممن توفر لهم امريكا والمصالح الدولية والاقليمية فرصة الاستحواذ على السلطة المطلقة في بلدانهم ، يمارسون نفس الحق المنبوذ ، بتعين ابناءهم واخوتهم وابناء عشيرتهم على رأس السلطات الحساسة دون الرجوع الى المعايير الاخلاقية التي وفرها الزمن المعاصر الذي يلزم الحاكم ان يدرك بان المسؤولية الوطنية لا يمكن ان تدخل عليها الاعتبارات العشائرية والقبلية ، فاذا جاءته بغير صدفة أو ميعاد يمكن به ان يغادرها دون علم مسبق أو استئذان ، لأن الشعوب رغم كل ما يعانيها من ظلم وهضم لأبسط حقوقه الوطنية والانسانية بدأت تدرك كيف تصنع الاحداث وتبلورها على شكل ثورة شعبية عارمة باتجاه تطلعاتها المشروعة في الحياة الكريمة التي تغتصبها الاسر الحاكمة في وضح النهار ، ويتقاسمها الابناء وأولاد العمومة والاخوال والمحيطين بهم من المنافقين و فسدة القوم تحت مسمى العين الحريصة التي لا تنام على هذا الحاكم أو ذاك من أجل ان تدوم هبة الحاكم عليهم وتبقى غير قابلة للزوال.....
لقد اثبتت النظم الاستبدادية التي حكمت العراق طيلة العقود الطويلة انها كانت نظم اسرية لا تخرج من نطاق الاسرة الواحدة ، فاذا كاب الاب رئيسا للدولة فان ابنائه يتسيدون كل المناصب ويخضعون الحكومة بأكملها لسلطتهم الجائرة غير القابلة للجدل ، بل ويرسمون هيكلية كل الوزارات على ضوء مصالحهم ومصالح اسرتهم الحاكمة ، وثم اشقاء الرئيس ان وجدوا افرادا فهم في راس سلطة القوة والنفوذ الذين لا يترددون في استخدام شتى الوسائل القبيحة للإيقاع بخصوم ماضيهم البعيد لكي ينزعوا ما عليهم من اثواب الاستفهامات الغريبة والعجيبة التي تؤثر على حاضرهم ((المجيد)) ، ومن ثم المقربين من اسرة زوجته وأولاد اعمامها وأخوالها الذين ينصاعون طوعا لأوامر((سيدتهم الاولى)) وتنفيذها بما ينسجم مع طموحاتها الشخصية الخاصة بجمع الاموال والثروات ، ثم العمل على رسم شخصيتها الاجتماعية بطرق ملتوية ومجردة من الحقائق تماما لضمان الوصول الى اهدافهم الخفية التي لا تتجاوز حدود النصب والاحتيال على الناس ....
وهكذا فان مرحلة ما بعد 2003 لم تخلو من هذه القاعدة بل زادت من حدة انتشار ظاهرتها التي وصلت الى اعلى درجاتها من خلال استغلال ابناء المسؤولين في الحكومة السابقة بل واصدقاء تصرفاتهم الصبيانية ان يهيمنوا بتشجيع منهم على عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية الاخرى للاستفادة من ((الفرصة)) التي وفرها لهم غياب سلطة الدولة والقانون ، فمنهم من لعب دورا مهما في الصفقات الوهمية فنال حصة الاسد .. ومنهم من بقي يلعب دورا خفيا وراء الكواليس ويجند اتباعه المراهقين لابتزاز التجار ورجال الاعمال للمشاركة مناصفة في اعمالهم التجارية مقابل تقديمهم للتسهيلات الكفيلة بحصولهم على هذه الصفقات المبرمة دون الرجوع الى اسس وضوابط قانونية......
ومن هنا .. فان حكومة السيد حيدر العبادي مدعوة من ألآن ان تسعى باتجاه منع ظهور تنسيب ابناء الوزراء في دوائر الدولة وتسليمهم السلطات ذات الصلاحيات الواسعة .. وضرورة حث البرلمان على تشريع قانون خاص بهذا الشأن بهدف منع وعدم اتاحة الفرصة مجدداً لهكذا نماذج فاسدة من العبث بالدولة وسمعتها وهيبتها ، وأهمية تطهير مؤسسات الدولة من المحسوبين والمنسوبين على حكومة السابقة ، والحد من خطورتهم داخل مؤسسات الدولة وتشكيل اللجان الخاصة بتدقيق الصرف الصادر والوارد من اموال الدولة في الوزارات للوقوف على حجم التجاوزات على المال العام التي تشير الدلائل انها كانت غارقة في الفساد والمحسوبية ، و كانت سببا من اهم الاسباب التي زادت من رقعة الرفض الشعبي والسياسي لتجديد ولاية نوري المالكي الثالثة ..
وعلى هذا الاساس فان مهمة السيد حيدر العبادي ليست بمهمة يسيرة بالقياس الى حجم الكوارث التي خلفها المالكي ، وهي بحاجة الى العمل الجاد والصبور ونكرات الذات والتحمل بل والشعور بالمسؤولية الوطنية دون الخضوع للاجتهادات والضغوطات الجانبية التي تخرج من هنا أو هناك ، والتي تحاول اصحابها ان يكونوا طرفا في سلطة القرار في ما وراء مكاتبهم بهدف تشويه صورة التغيير التي يناشده العراقيون جميعا ...ولحين ما نجد ما يسعد العراقيين بهذا الشان .. سيكون لنا حديث آخر من القلب
|