محنة نواب البصرة

الموقف الذي مر فيه نواب البصرة اليوم لا يمكن أن يحسدوا عليه، فلم تميز كتلهم بين نائب ونائب ونظرت لهم على أنهم نواب البصرة، وقد تساوى في ذلك النواب الصقور الذين كانوا وزراء ومحافظين ومستشارين، والنواب الجدد الذين لم يكن لهم حظ وسطوة عند رؤساء كتلهم. وبمجرد أن تحركت (بغداد نجف كربلاء رمادي ديالى أربيل) بان ضعف وخيبة أمل النواب وبصورة مخجلة ومحرجة للوفاء بالوعود والعهود التي قطعوها في أثناء الحملة الانتخابية، وبالآمال التي كانت تراودهم بالحصول على وزارتي النفط والنقل، رغم أن هذه المطالب كانت مطالب شعبية وقد عبرت الجماهير البصرية وبصورة ملحة عن ضرورة أن تكون هاتين الوزارتين من نصيب المدينة المتعبة من الأموال الغريبة الوافدة على فقرائها والغارقة بالدخان الأسود من نفطها. ورغم ذلك كانت تحركات وتصريحات النواب البصريين غير مناسبة بالشكل الذي كان يدور من حولهم في عملية مراثونية وساخنة لتشكيل الحكومة الجديدة والتي يبدو أنها تمددت أكثر من الحكومة السابقة.. تمددت خارج الدستور وخارج التوافق لتشكل بعجل وعلى هيئة يبدو أنها ستواجه مشاكل في المستقبل نتيجة لما تحويه من وجوه قديمة جديدة متناقضة.

 

نقاط القوة عند نواب البصرة كانت كثيرة ولم تستخدم على ما يبدو نقطة واحدة منها، وكان أهمها الثروة النفطية، ناهيك عن الموقع الجغرافي وزخم شهداء الحشد الشعبي التي تملأ صورهم شوارع المدينة، وعدد المقاعد النيابية البالغ 25 الذي يعتبر الرافد الأهم للتحالف الوطني بعد بغداد، إضافة إلى المنافذ البحرية والبرية إلى دول الجوار والعالم. كل هذه النقاط كانت يمكن أن تشكل رافدا وعنصرا تفاوضيا قويا للحصول ما يسد رمق المدينة ورد الاعتبار لكل الجهود المبذولة من أصواتها ودمائها وأموالها، لكن الأمور سارت على ما سارت عليه واكتفى النواب بقراءة البيانات والانسحابات الانفعالية من التصويت للحكومة والتي كانت يمكن أن تكون ورقة قوية للضغط والحصول على استحقاقات مناسبة لو كانت من كل نواب البصرة.

 

أما المحنة الأكبر فهي في قرار مجلس المحافظة بإعلانه بدء السنة الدراسية الجديدة بعيدا عن وزارة التربية، وهي خطوة باتجاه إعادة رد الاعتبار لحالة الإبعاد عن الكابينة الحكومية. وكان يمكن أن يكون هذا القرار بمثابة إطفاء وتبريد لغليان وسخط الشارع البصري الذي يبدو أنه مقبل على ثورة من نوع ما، وكذلك إعطاء دفعة معنوية مناسبة للمسؤول البصري محليا أو اتحاديا للمطالبة بإنصاف المدينة، لكن عملية رفض الوزارة للقرار المحلي البصري كانت بمثابة صاعقة أصابت رأس البصرة من مسؤوليها إلى مواطنيها، واللكمة القاضية التي أنهت سيادة الإنسان البصري على محافظته وصوته وثروته ودمه. كان يمكن أن يكون القرار المحلي داعما وساندا للسادة النواب للبدء بمرحلة جديدة نحو إقليم أو نسبة من الميزانية أو توازن وزاري ووظيفي يعتمد على نسبة السكان وقرارات ومشاريع أخرى كثيرة تساوي المحافظة مع أقل من غيرها من المحافظات الأخرى.

ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون