حرب "المدكوكة"

من التمر عرف العراقيون إعداد حلاوة "المدكوكة " بوضع تمر الزهدي مع السمسم بالجاون ، وبطرقه بالميجنا بسواعد النشامى من أفراد  العائلة فينالون ثمرة جهدهم ويحصل كل فرد على حصته ، تصنع الحلاوة عادة في أيام الشتاء ، وترافق من كان على سفر ، لتكون متاعه في الطريق ، وخلال  سنوات  الحرب العراقية الايرانية ، كانت "المدكوكة" حاضرة في حقائب الجنود ، واستطاعت ان توفر وجبة غذائية ، عندما تقطع طرق الامدادات ، ويصبح من المستحيل وصول سيارة "القصعة " الى اماكن تشهد قتالا عنيفا تستخدم فيه جميع انواع الاسلحة .
العراقي ربما يكون الوحيد  بين شعوب الكرة الارضية ،  يتناول الحلاوة في ساحة الحرب ، ليس بطرا  وانما لمواجهة الجوع ، ونيران  العدو،  والمصير المجهول ، حين ينسحب قادته من كبار الضباط والآمرين ويبقى في الارض الحرام ، منتظرا  الوقوع في الأسر او القتل برصاصة قناص ، او يلتفت اليه القدر ، فيعود الى المواقع الخلفية، سيرا على الأقدام تلاحقه قذائف الهاون والمدفعية الثقيلة .
مدرس اللغة العربية في ثانوية  تقع في حي الحرية،  يعود له الفضل في ابتكار مصطلح" حرب المدكوكة " ، الاستاذ عرف بين طلابه بأنه من دعاة الحفاظ على سلامة اللغة العربية ، يخصم من درجات الطالب الشهرية ، اذا تكلم احدهم بمفردة عامية او عبر عن افكاره باللهجة الدارجة ، ولتذمر الطلبة من حرص أستاذهم على اللغة  لطالما شاكسوه ، بطرح اسئلة ،  لغاية في نفس يعقوب ، والاستاذ بدوره لم يرفض الاجابة على اي سؤال على الرغم من معرفته بنيات طلابه الخبيثة ، سأله احدهم استاذ كيف نعرب القول الشائع " خوش تنكة " فأجاب المدرس وهو على يقين راسخ بان السؤال خبيث  بامتياز وقال :" افضل صفيحة معدنية "   فتعالت الضحكات ، وانقذ قرع الجرس المدرس من الحرج ،وتجاهل من قال من طلابه " خوش صفيحة معدنية ".
لعبة طرح الاسئلة استمرت بين المدرس وطلابه وفي درس الإنشاء، طرح طالب سؤالا استاذ ماهي المفردة الفصيحة المناسبة لحلاوة "المدكوكة" السؤال جعل المدرس في موقف لا يحسد عليه ، وحين فشل في الخروج من الحرج طلب ان يكون موضوع الإنشاء دور حلاوة التمر في الحرب ، وكانت الحرب العراقية الايرانية قد اندلعت ، ولغرابة الموضوع ، تنوعت الاسئلة والاستفسارات ، وحاول الاستاذ ان يعطي مفاتيح الكتابة بتعريف "المدكوكة " وحرص اكثر الجنود على ان تكون في حقائبهم ، ودورها في المواقف الصعبة.
في اليوم الثاني ويبدو ان هناك  من تبرع بإعطاء المعلومات الخطيرة الى الادارة استدعى المدير المدرس ، وطلب منه الغاء موضوع الإنشاء ، لأنه لا يخدم الحالة التعبوية ، ويستهين بقدرات القوات المسلحة ، فرضخ  الاستاذ للأمر ،  فخصص درس الأدب للإنشاء ، ومنح لطلابه حرية اختيار موضوع جديد من قبيل ، ماذا تريد ان تكون في المستقبل ، فكتب احدهم اتمنى ان اكون قائد "حرب المدكوكة " لأحقق النصر على الأعداء ، اعترض المدرس واستعان  بتعليق طلابه على كاتب الموضوع فقال الجميع "خوش تنكة" ، ومنذ  ذلك الوقت وحتى اليوم و"حرب المدكوكة" مستمرة .