بين بغداد ودبي

دشنت امارة دبي فندقا جديداً يعد الأعلى في العالم، ودخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وهذا الفندق الذي جرى افتتاحه الأربعاء الماضي واسمه "جي دبليو ماريوت" يقع بالقرب من برج خليفة الذي يعد هو الآخر أعلى برج في العالم.

كما افتتحت دبي الأربعاء الماضي مطم "اتموسفير" أو "الغلاف الجوي" وهو أعلى مطعم في العالم، حيث يقع في الطابق 122 من برج خليفة.

ولعل هذا التطلع الى الأعلى سمة المنجز الاماراتي، حتى اصبحت "دبي" - وهي احدى الامارات السبع لدولة الامارات العربية المتحدة - محط أنظار العالم كله.

ويتداول العراقيون في ما بينهم كلاماً ينسب الى رئيس دولة الامارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من انه كان يحلم في ان تصبح دبي مثل بغداد، وهذا الكلام "ان صحت نسبته اليه"، فإنما قاله عندما كانت الامارات تعلوها الرمال، وليس شيئاً آخر، فيما كانت بغداد مدينة تحاكي مدن العالم المتقدمة.

ولا شك هناك فارق زمني بين العراق كدولة حديثة، والامارات العربية المتحدة، فالعراق تأسست دولته عام 1921، ونال استقلاله عام 1932، ودخل عصبة الأمم ، هذا الى جانب عمقه الحضاري الممتد الى 7 آلاف سنة، فيما دولة الامارات مستحدثة في كيانها وكينونتها، حيث كانت تسمى بـ"ساحل عمان" وتاريخها جزء من التأريخ العماني، وقد استقلت في عام 1971، ودخلت الأمم المتحدة بعد توحد إماراتها السبع "دبي، ابو ظبي، رأس الخيمة، الشارقة، الفجيرة، أم القيوين، عجمان" في دولة واحدة، هي دولة الامارات العربية المتحدة.

لكن كان هناك تصميم لدى الدولة الجديدة على خارطة العالم في ان تكون في مصاف الدول المتقدمة، متجاوزة تلك الصحارى التي تشكل اربعة اخماس مساحتها، واستطاعت خلال اربعة عقود ان تكون دولة بالمواصفات التي حلم بها قادتها.

في المقابل، تحول الحلم القديم الى كابوس، فبغداد اليوم تراجعت الى الوراء، حتى أضحت "أوسخ" مدينة في العالم، فيما لم تعد المنافسة ممكنة ازاء الامارات السبع، لا في الجانب العمراني، ولا في الخدمات، ولا في قياسات الدخل القومي، ولا نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، ولا حتى في كرة القدم.

واذا كنا نريد ان نواجه الارقام التي حازتها الامارات من حيث العلو والارتفاع، فاننا لانجد امام اعلى فندق، واعلى مطعم، واعلى برج، الا إستحضار المراتب التي حزنا عليها في المجال السلبي، وبامكاننا ساعتها ان ندخل معترك المقارنات بما تحقق من منجزات في ساعات القطع الكهربائي غير المبرمج، وأطول طوابير للسيارات امام محطات تعبئة الوقود، او لدى السيطرات ونقاط التفتيش، وأعلى مستوى للمياه عند زخة مطر، ادت الى غرق الشوارع والبيوت، واعلى مستوى لتراكم النفايات، وأعلى نفقات لتبليط رصيف وشارع، الى جانب المراتب المتقدمة في الفساد بين دول العالم الاكثر فسادا.

لقد استخدمت الامارات النفط لتطوير دولتها لتصبح واحدة من اكثر وانجح الاقتصاديات في العالم، حيث شهدت طفرة عقارية كبرى، الى جانب المشاريع السياحية الضخمة، ويكفي ان نذكر فقط ان هناك 350 فندقاً سياحياً فيها ، الى جانب المنتجعات والمرافق السياحية الأخرى التي اصبحت محط جذب للسياح من كل دول العالم، وحققت بذلك موارد لاتقل أهمية عن واردات النفط، فيما تعكزنا نحن على واردات النفط وضيعنا الزراعة والصناعة الى جانب السياحة التي نمتاز بتعدد انشطتها، حتى بات رهاننا الوحيد ان نزيد من صادرات النفط لتدعيم ميزانيات البلاد ونحقق حالة التوازن بين الواردات والصادرات، بعد أن تحولنا الى مستهلكين لكل ما ينتج في الخارج.

ولا نريد ان نقلل من قيمة الواردات النفطية، فهي كبيرة بلا شك، وكل ميزانياتنا الانفجارية منها، لكن انعكاساتها على مستوى المواطن لم تتحقق، بدليل ان هناك اليوم ربع السكان ، هم تحت خط الفقر، فيما مستوى المعيشة متباين الى حد التطرف، بين حرمان وتخمة.

بقي ان نحاول ان نحلم، ويحلم زايدنا، بأن يجعل بغداد كدبي، لكن ماذا ستكون دبي عندما نحقق حلمنا المؤجل؟