هل يصلح العبادي ما أفسد المالكي؟
تشكيل الحكومة في بغداد برئاسة السيد حيدر العبادي، يعني، عند البعض، بلوغ حد أدنى من الوئام الداخلي على الساحة السياسية، وعند البعض الآخر، نجاح الآخرين في فرض صيغة لم يقبلها العراقيون طوعاً، ولكن ما يتفق عليه الجانبان لايعني إنهاءً للإنقسام العراقي، ما لم ير العراقيون على أرض الواقع نتائج ملموسة تشير الى صفاء النيات.
فمضمون الحد الادنى من الوئام يعني تجنب إستخدام السلاح والقوة لمصلحة فرض إتجاه معين، أما الصيغة التي فرضت فهي: إن الآخرين إشترطوا توحد العراقيين تحت شرعية معترف بها لكي تبدأ الآليات الفعلية لصياغة برنامج وطني يأخذ في أولوياته ضرب داعش والشروع في الإنهاء التدريجي لنفوذ الإرهابيين، وفتح الحديث مجدداً في أمر المصالحة والمشاركة والإستحقاقات الوطنية والقومية والدستورية. ولقد بدأت خطوات أولية وصغيرة في هذا الاتجاه، ووجد البعض أنفسهم مضطرين على الموافقة على ما كانوا يرفضونه من قبل، ووضعوا حكومة العبادي أمام إختبارات متعددة، وأصعبها مغالبة الذات والنوازع والهواجس، وتغيير النظرة إلى المكونات العراقية، والشرعية التي يسمونها بالأغلبية، لمصلحة إندماج حقيقي وعميق مع السلطة الوطنية، والتوازن بين نفوذها الموضوعي المعقول من خلال التمسك بزمام الامور وعدم التشبث بها (كما كان)، والشروط التي توفر لها البقاء والمشاركة فيها من قبل الجميع.
 وبعيداً عن المؤامرة ونظريتها، تعالوا نتمنى النجاح لهذه الحكومة التي تحاول فتح صفحة جديدة في تاريخ العراق المضطرب والمثقل بالأحداث والآلام والمتاعب، ونتمنى النجاح لرئيسها الدكتور حيدر العبادي في مهمته الصعبة وأن يكرم في الامتحان ولا يهان، لأنه يحمل تركة ثقيلة، وهو يفتح صفحة جديدة في وقت الجد ويقود سفينة نجاة العراق وإيصالها الى بر الأمان، ومغادرة مرحلة القلق والخيبة بعد سنوات من التعثر والأزمات السياسية.
لا نشك أبداً في ان الرئيس الجديد للحكومة يدرك جيداً حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، ومن خلال متابعته لمجريات الأحداث يعرف أسباب ما آلت اليه الامور عن كثب، ويؤمن بأن مهمته ليست سهلة أبداً، وان حكم العراق لم يكن، ولن يكون نزهة او ترف سلطة، بل هي مهمة مثقلة بالهموم والمطالب وتحتاج الى الشجاعة والتسامح والحكمة والتروي والتضحية والصبر والمصارحة والمصالحة والشفافية وإعتماد الأساليب الديموقراطية ومعايير العدالة ونزع صواعق القنابل الموقوتة، فالجراح ما زالت تنزف، والملفات الكثيرة الساخنة مفتوحة، والهموم لا تعد ولا تحصى.
ولو نجح العبادي( وهذا ما نتمناه) في إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لإنقاذ البلاد والعباد وإستطاع إتخاذ قرارات مؤلمة وجريئة لمعالجة الأوضاع المتردية، وتطبيع العلاقات بين بغداد وأربيل، فان الشعب العراقي سيجتاز المحنة ويعاد اليه الثقة بنفسه وبقدراته وبقدرات قادته بعد سنوات من الاهتزاز والشكوك والشكاوى من الهيمنة على الحكم والتفرد بالسلطة والقرار والإقصاء والتهميش، ومن الفوضى والفساد والأخطاء في مفاصل الدولة. وعندها يتم بسهولة ويسرإعادة ترتيب أوضاع البيت العراقي، وإيجاد الحلول لتركة الحكومة السابقة وتبعاتها، وتصحيح الأخطاء وقيادة مسيرة إصلاح شامل يشارك فيها الجميع.
فهل يصلح العبادي ما خربه المالكي؟