في كل مرة اقرر فيها ترك الكتابة في السياسة، أراني ارجع لها صاغراً. تجرّني حماقة الحرب أن اضع رأياً مقتضباً فيها. لا بأس فهذا حال عدد غير قليل من الكتّاب العراقيين، وانا الاقل فيهم.
في العاشر من حزيران هذه السنة، تهجم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على محافظة الموصل ويهرب منها الجيش بطريقة سوريالية لا احد منا يعرف حيثياتها حتى هذه اللحظة.
تستعر ردة فعل عراقية شعبية ورسمية تطالب المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية التدخل ووضع حد لتقدم داعش. يضغط سياسو الشيعة (على وجه الخصوص) بإتجاه تذكير امريكا بالاتفاقية الامنية وضرورة تقديم الدعم للمؤسسة العسكرية العراقية. ثم يأتي دور النخب والجالية العراقية المقيمة في امريكا. يتحرّك اللوبي العراقي في مظاهرات ومسيرات داخل ولايات امريكا المتعددة وحيث يوجد عرق عراقي. نكهة شيعية سادت تلك المظاهرات لتطالب الكونغرس وحكومة اوباما بالتدخل ومساعدة العراقيين في حربهم على داعش. ولأن اوباما ملزم ببرنامجه الانتخابي الذي التزم فيه امام شعبه عدم التدخل في اي حرب خارجية، حاول التنصل من هذا المطلب رامياً بكليّات الامور على عاتق الكونغرس.
اليوم تقرّر امريكا بعد جهد طويل استطاعت ان تقنع فيه حلفاء عرب واوربيين ضرورة قيادة تحالف عالمي لمحاربة داعش، وبالفعل تم اجتماع باريس وخرج المؤتمرون بتوصيات هامة وضعت في اولوياتها هزيمة داعش في العراق.
لم يمر الاّ يوم واحد على اعلان هذا التحالف، انقلب قادة الشيعة على امرهم. ارسلت النخب الشيعية رسائل قوية وصريحة وشديدة لأمريكا من ان تدخلها غير مُرحّب فيه، بل ان فصائل شيعية اسلامية اعلنت صراحةً حمل السلاح لمواجهة الامريكيين اذا ما تدخلوا في هذه الحرب.
ما السبب يا ترى؟
اخطأ مؤتمرو باريس حين لم يدعوا ايران الى المؤتمر، فقررت ايران ان تواجه تحالف الغرب برفض قاطع.
ماذا يعني رفض ايران؟ يعني ان النخبة الشيعية العراقية التي توسّلت يوم امس امريكا ان تتدخل، سترفض اليوم هي الاخرى هذا التحالف.
بالفعل تصاعدت نبرة سياسيي التحالف الوطني رافضين تدخل امريكا، في ظل سكوت سياسيي السنّة عن هذا الامر، وهو الامر الذي استغربتُ منه في البداية. اذ انني وغيري كنت اتوقع ردة فعل سنّية عنيفة ضد حرب التحالف الجديد في مناطقها، لكنني عرفت بعدها إن لهذا السكوت اسباب، اهمها ان السنّة حصلت على تطمينات من ان هزيمة داعش في العراق سيقابلها سقوط حكومة بشار الاسد في سوريا. قالت لهم امريكا، لا حاجة لكم بداعش، سنسقط الاسد مقابلها.
تلك اذن مقايضة مهمة فرحت لها السعودية ودول الخليج الاخرى. مالنا وداعش، سوريا هدفنا.
جاء الرد الايراني سريعاً على جبهة اليمن. سيطر الحوثيون المدعومون ايرانياً على صنعاء فغيّروا في خريطة اللعب قليلاً. دخلت السعودية والمجتمع الدولي في صدمة جديدة لأنهم وبعد ان قرروا قطع يد ايران في الشام، خرجت لهم يداً ايرانية اخرى في جزيرة العرب.
تراخت السعودية وامريكا في موقفهما من ايران فقررتا ان تناقش قضية دخول ايران للتحالف الدولي، وبالفعل إجتمع اليوم وزير خارجية ايران بنظيره السعودي في نيويورك، وسط هدوء غير معهود من السعوديين تجاه سيطرة الحوثيين على اليمن. مغازلة وضحك متبادل بين الوزيرين ستفتح على اثرها "صفحة جديدة" من العلاقات بين البلدين كما قال وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف. ولإن ايران تنظر الى مصالحها اكثر من اي شيء آخر، قررت اللعب بورقة النووي مستغلةً هذا الظرف الملتبس. هي تطلب ان يُخفف المجتمع الدولي الحصار على برنامجها النووي كشرط جديد لدخولها التحالف الدولي. هذه الرغبة تدرسها اليوم امريكا بحذر. فهل ستوافق على هذا؟ هل يستحق اسقاط الاسد قنبلة نووية عمائمية في ايران؟
بالنسبة لايران قنبلتها اهم من سوريا والعراق لانها ترى ملامح حرب كونية دينية قادمة خطّطت لها السماء قبل ان تخط رجلا آدم الارض. لكن ماذا عن شيعة العراق! ولماذا هذا الاستقتال على مصالح ايران والتبعية لها في مواقفها؟
الجواب ديني بحت سأتطرّق له في الجزء الثاني من هذه المقالة.
|