لم يترك الرئيس التركي أردوغان المناسبة تمر دون أن يطبعها بأردوغانياته. من على منبر مجلس الأمن الذي إنعقد لمحاربة داعش نراه قفز من الساحتين السورية والعراقية حيث ينتشر وباء داعش إلى الساحة المصرية وهو يذكرنا بشرعية مرسي العياط التي أطاح بها المتمردون, و بـ (الألوف ) من الأخوان الذين قتلهم السيسي !! إنه لا شك تأثير الصدمة, فمن بين ردود الأفعال المتفرقة التي أثارتها الحملة الأمريكية العالمية ضد داعش نستطيع أن نتحسس دناءة السياسيين الحالية ومعها نستطيع أيضا معرفة كيف تدار العاب الحروب في المنطقة. نكتشف من ناحية أخرى أن تركيا, في محاولة التأكيد على تبنيها للحملة, قامت أخيرا بمنع أكثر من ألف متطوع داعشي كانوا بوضع المغادرة من أراضيها إلى الأراضي السورية. وهي لا تسمي (تغاضيها) عن مرور الدواعش إلى أراضي جيرانها تجاوزا منها على السيادة أو على حق الشعوب الأخرى في الحياة, فلغة المبادئ تتغير تبعا للجغرافية, وخروج ثلاثين مليون مصري ضد نظام الأخواني مرسي هو إنقلاب على الديمقراطية, أما دعم داعش أو التغزل بها أو التغاضي عن مرور مقاتليها فإن ذلك يعتبر من صميم المحافظة على الديمقراطية. كنت وما زلت وسأبقى مؤمنا أن السياسة ستكون نظيفة حينما يكون العامل بها نظيفا, والسياسة وسخة بمقدار وساخة العاملين بها, لكن التعامل الإيجابي مع داعش يحتاج إلى أن يكون السياسي خريجا من علبة ليل أو داربغاء, حيث الوساخة تبدو مفردة مخففة ولطيفة. والآن فإن بإمكان طالب في الدراسات السياسية العليا ان يكتب إطروحة دكتوراة في مدة قصيرة جدا هي فترة إنعقاد إجتماع مجلس الأمن ويكفيه فقط تفحص وجوه العديد من الزعماء المشاركين فيه ثم يختار لإطروحته عنوانا قد يكون (النفاق حينما تكون له قمة). نحن نطمح جميعا بالمواقف المتغيرة على أن لا تدخل من باب النفاق والتحايل. موقف أمريكا مرحب به على شرط أن تعترف بدورها في خلق هذه الوحوش التكفيرية منذ ان دعمت القتال ضد السوفيت في أفغانستان وأن تكف عن الترويج لثقافة الطائفية. وما تحتاجه السعودية, ليس ان تشارك بطائرة أو بطائرتين في دعم الجهد العسكري ضد داعش, رغم أن ذلك يُسجل لها, وإنما أن تذهب لكي تشن على داعش غارات داخلية وعلى الأرض مباشرة لكي تقتلع كل جذور ومظاهر وثقافة التكفير الذي تجد لها رواجا في جوامعها ومدارسها الدينية تلك التي بدأها الشريك في تأسيس الدولة السعودية نفسها التكفيري محمد عبدالوهاب حامل رايات إبن تيمية. والحقيقة أن القضاء على داعش جوا يستهدف قطع ذراعها العسكري, لكن داعش كالأميبا كلما قطعت لها ذراعا أنبتت لها ذراعا أخرى, ومن هنا فإن الترحيب بالجهد العسكري الدولي يجب أن لا ينسينا حقيقة ان الجهد الأرضي هو الأهم, وجهد السعودية بالتالي هو أهم حتى بكثير من الجهد الأمريكي وتقع عليها مهمة إقتلاع هذا الفكر من جذوره وملاحقته في كل جامع وعقل منخور. أما الحديث عن قطر فهو اشبه بالحديث عن الراقصة دون الطبال ودون صاحب الملهى. لكن ما يدهشنا أيضا من اللعبة السياسية هو هذا الحرص الخرافي على السيادة السورية التي تبديه إيران وهي تهاجم الجهد الدولي العسكري ضد داعش, وكأنما إيران بعيدة عن التدخل بالشأن السياسي لدول المنطقة إبتداء من العراق ولبنان وسوريا وعبورا إلى اليمن والبحرين, علما أن الرئيس الإيراني هو نفسه الذي كان صرح قبل أقل من اسبوعين أن إيران سوف لن تطلب الأذن من أحد لتسير الجيوش داخل الأراضي العراقية حينما تتهدد كربلاء والنجف.
|