بعض متفلسفة الإعلام يحاولون عبر تعليقاتهم وردود افعالهم (التحريرية) على الوضع السياسي والعسكري الراهن تقديم صورة إيجابية أكثر مما ينبغي، وذلك حينما يظهرون انفسهم (فيما يكتبون أو يسطرون) بكامل الزهو والفخر والتفاؤل، مع أن مقالاتهم الطويلة العريضة لا يقابلها في الواقع الفعلي سوى الهزيمة والفشل والصدمة... لا أقول إن الصورة المعاكسة (السلبية) التي ملؤها اليأس والألم والتشاؤم هي الصورة الأنسب في ظل هذه الأوضاع، ولكن في نفس الوقت لا اعتقد أن تضخيم الأمور إلى الحد الذي تبدو معه الهزائم المُنكرة انتصارات ساحقة، والإخفاقات العسكرية ملاحماً تاريخية، والخيانة انسحاباُ تكتيكياً.. هو المصداق الصحيح لما يسمى بـ(الحرب الإعلامية). إن ما ينشره بعض الأعلاميين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بواسطة الصحافة الالكترونية من سرد وتحليل للمعارك والوقائع في ساحات الوغى انطلاقاُ من أبراجهم العاجية ومكاتبهم الفارهة لا يخلو من تزييف للحقائق خلافاً لما هو على الارض، وتضليل للرأي العام العراقي. وليست هذه مهمة الإعلام أبداً ولا هي رسالته في أوقات الأزمة والمنحة والحرب... إن حالة الانتشاء التي تعقب هذه التصريحات على المستوى الشعبي (والتواصلي) قد تؤدي إلى الخدر والتغافل والتناوم، وتلك آفات خطيرة ينبغي الالتفات إليها جيداً قبل أن يترتب عليها المزيد من تردي الأوضاع وتفاقمها على المستوى الواقعي والنفسي... ينبغي أن يتجرد الإعلامي عن الحماسة الفارغة وينظر إلى الأمور بعين النقد ومن زاوية الإصلاح والتصحيح، فليس ثمة داعٍ للمبالغة في رسم صور بطولية لا وجود لها إلا في الأوهام الطامحة والأخيلة المجنحة، لإن حربنا النفسية ومعركتنا الإعلامية مع العدو لا يمكن كسبها وحسمها بشيء آخر سوى الرؤى الواقعية والتحليلات النقدية، فضلاً عن الإعداد التوعوي والاستعداد القوي والتخطيط المحكم... فذلك كله يهدف إلى تجاوز الاخطاء إن نجمتْ وردم الفجوات إن ظهرتْ. وبكلمة موجزة: لا ينبغي الاستهانة أبداً بقوة العدو وإنجازاته القتالية مهما كان العدو في أعيننا صغيراً وقمئاُ، وتلك مسؤولية الإعلام إذ المفروض أن يأخذ الإعلام على عاتقه (في المرحلة الراهنة) رصد الأخطاء وتشخيص الهفوات ونقاط الضعف، وتحذير الحكومة التي كأنها تغط في سبات عميق (بعد أن نال ممثلوها الحظ الأوفى وفازوا بالسهم المعلى في مسرحية تقاسم السلطة)... وتنبيههم إلى مغبة وخطورة ما قد تؤول إليه الأحداث في المستقبل القريب مالم يتداركوا أمرهم وأمر الناس بالأفعال لا بمحرد الأقول، فلربما طرق الخطر ابوابهم في أية لحظة، ولمّا يزالوا في غفلتهم وغيّهم يترددون... كل العراقيين يأملون ثبات مسؤوليهم وقادتهم في مواقعهم إذا حانت ساعة الصفر وقربت لحظة المواجهة الكبرى... ونرجو أن يكون ما نبا إلى سمعنا من أن بعضهم قد بدأ يعد العدة للرحيل مرتقباً مداهمة الخطر، حتى إذا أزفتْ الآزفة ولم يكن لها (حينئذ) من دون الله كاشفة، فرّ تاركاً الحبل على غاربه وسقى آخر قومه بكأس آوله، فحينما يكون للإنسان بيتان وموطنان وقد حل بأحدهما الخراب فالمتوقع أن يكون على وشك الانتقال والارتحال... لا أحد يستطيع أن ينكر عقارات واستثمارات وأرصدة المسؤولين في خارج العراق ناهيك عن الجنسيات الثانية التي تجعلهم مواطنين في دول أخرى. ولا أعلم على وجه التحقيق إن كان يمكنني الجزم بكون هذا الولاء المزدوج هو السبب وراء هشاشة وطنيتهم العراقية أم لا ؟ مهما يكن من أمر وخلاصة لما مر، فالواجب أن لا ننساق كثيراُ وراء التصريحات الإعلامية الجوفاء حتى لو حرّكت فينا ملكة الفخر وغمرتنا بخيلاء المجد، ولنحتط لأنفسنا فلا ننخدع مجدداً، فلعمري خدعة واحدة ممن يمتهنون مهنة الدهاء (السياسة) تكفي، فلنعمل على ألاّ يخدعنا الإعلام المسيس أو غيره خدعةً ثانية، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
|