العراق تايمز: كتب الخبير البحري كاظم فنجان الحمامي كيف تتحول زوارق النجاة إلى زوارق للهلاك ؟، وكيف تتحول قوارب الإنقاذ إلى قوارب تضمر الشر لراكبيها ؟. هذا ما لا يصدقه العقل ولا يقبله المنطق، فما بالك إذا كان هذا التناقض المفزع من صنع الأحواض اليابانية ؟، وما بالك إذا كانت وقائع هذا التحول المرفوض حصلت في مياهنا الإقليمية عام 1979، ثم تكررت بعد بضعة أعوام في شط العرب، وعلى وجه التحديد في منطقة المسفن البحري بالجبيلة، فيذهب ضحيتها في الحادث الأول المرشد البحريصبيح عبد الرحيم والمرشد البحري مضر معتوق، الذين ماتوا غرقاً بعد إرشادهم السفينة (نيدلويد بحرين) من البصرة إلى البحر، فخذلتهم تلك الزوارق في ليلة حالكة الظلام، وهم في عنفوان شبابهم، ثم تُنتشل الزوارق الغارقة ليُعاد استعمالها في المسطحات المائية الداخلية، فتغرق مرة أخرى هناك، ويذهب ضحيتها في المرة الثانية مجموعة من العاملين في ورش صيانة السفن، وتُنتشل من جديد لتباع في المزاد العلني، فتنتقل ملكيتها من الموانئ العراقية إلى القطاع البحري الخاص، وتنتقل معها غربان الشر لتحوم فوق الأماكن التي أرسلت إليها، ثم يتخلص منها القطاع الخاص فيرميها على ضفاف شط العرب بعدما جلبت له الهم والغم. المثير للدهشة أنها مازالت موجودة لكن طابع الشؤم ظل ملتصقاً بها، فلم يجرأ العاملون في البحر من الاقتراب منها، على الرغم من تبعثرها في مواقع متفرقة. الزوارق التي نتحدث، وعددها أربعة، هي زوارق الخدمة التي صنعتها اليابان، ووضعتها فوق ظهر سفينة الإرشاد (الشروق) المبنية في اليابان عام 1976. أحد هذه الزوارق يختبئ الآن بين أكوام الحديد والخردة في زقاق من أزقة دور الضباط القريبة من الشارع التجاري. زورق آخر محشور بين أكداس الزوارق والسفن المعطوبة في منطقة الصنكر. الزوارق الثالث مثقوب ومشرف على الغرق في كورنيش العشار عند موقع كازينو شط العرب. الزورق الرابع متروك فوق الأرض بين نهر (العامية) ونهر (الفياضي)، إلى الجنوب من نهر (أبو فلوس)، على الضفة الواقعة شمالي جزيرة البلجانية (البليانية). وأن أقرب مسافة بين زورق وآخر لا تقل عن خمسة كيلومترات. أربعة زوارق فشلت اليابان في صناعتها، ولم تستطع أن توفر لها أبسط شروط السلامة، في الوقت الذي كانت فيه الزوارق مصممة للنهوض بمتطلبات السلامة والأمان للعاملين في محطة الإرشاد البحري، فتسببت في وقوع سلسلة متعاقبة من المآسي والفواجع.
أربعة زوارق صغيرة طوتها أشرعة الحزن، فقرعت أجراس الأسى بين شواطئ الفزع، ونعب البوم فوق صواري السفن المهجورة والمراكب المتروكة، ليحكي للأجيال قصة الفشل الذي ظل يشوه صورة الصناعة البحرية اليابانية حتى يومنا هذا. لم تحتج الموانئ رسميا على اضطراب تلك الزورق وعدم صلاحيتها، ولم تفطن لعيوبها المهلكة إلا بعد فوات الأوان، آخذين بنظر الاعتبار الذكاء المتوقد للمهندس الراحل (كريم مكي)، الذي اكتشف الانحناء الخطير في قرينة السفينة (الشروق)، ما اضطر الموانئ العراقية إلى تأخير استلامها لبضعة أشهر، ولم يحسم الأمر إلا بعد اعتراف اليابان بالخطأ، وموافقتها على تمديد فترة الضمان، وتنازلها الرسمي عن 10% من أرباحها المتفق عليها في العقد المبرم بين الطرفين، لكن إدارة موانئنا لم تلتفت إلى الأخطاء التصميمية في هياكل زوارق المرشدين المرافقة للسفينة (الشروق)، ولم تطالب اليابان بدفع الغرامات المترتبة عليها لأسر الضحايا، ثم تجاهلت الأمر برمته بعد عام 1979، وسجلت مسببات الحوادث في دفاتر القضاء والقدر.
|